{والسحاب المسخر بَيْنَ السمآء والأرض} . والتسخير معناه حمل الشيء على حركة مطلوبة منه لا اختيار له فيها، والله يسخر السحاب لأنه يريده أن يمطر هنا، فيأتي مسخر الرياح فيسوقه إلى حيث يريد الله، وأنت قد تنتفع بمطر ينزل من سحابة في غير مكانك، ونحن ننتفع في مصر بماء النيل برغم أن المطر ينزل في جنوب السودان، وفي هضاب الحبشة، ولو اقتصرنا على الماء الذي ينزل من سماء مصر لكنا قد هلكنا عطشا، وهذا يؤكد معنى قوله تعالى:{إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء}[الأعراف: ٥٧]
إن السحاب يسير مسخراً إلى غاية مطلوبة منه ولا إرادة له فيها. ويختم الحق الآية بقوله:{لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي أنها عجائب لقوم يعقلون. وحين يقول الحق:{لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فكأنه ينبه المَلَكَة المفكرة العاقلة في الإنسان. وحين يخاطبك مخاطب؛ وينبه فيك الملكة العاقلة؛ فأعلم أن ما يخبر به ينتهي عقلك إليه بمجرد أن تفكر، وإلاّ لو لم يكن الأمر كذلك؛ ما كانت هناك ضرورة أن يذكر لك كلمة العقل.
والقرآن الكريم دائما يقول:«يتفكرون» ، و «يعقلون» و «يتدبرون» و «يتذكرون» وكل ذلك معناه أنهم لو فكروا، ولو عقلوا، ولو تدبروا، ولو تذكروا؛ لانتهوا إلى الحقيقة التي يريدها الله. والحق سبحانه وتعالى ينبه المسلم دائما لأن يستقبل الأمور بعقله وبفكره وبتدبره وبتذكره، لأنه سبحانه يعلم أن الإنسان إذا فكر أو عقل أو تذكر أو تدبر فسوف ينتهي إلى ذات القضية.