إذن: فلا تأخذ الأحوال بوارداتها عليك، ولكن خذها بوارداتها ممن قدرها وقضاها؛ وهو الحق سبحانه وتعالى.
وهنا يقول الحق سبحانه:{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: أن الحق سبحانه لم يأت بإنسان غريب عنكم، بل جاء بواحد منكم قادر على التفاهم معكم. ولقوله الحق:{مِّنْ أَنفُسِكُمْ} معان متعددة، فمرة يكون معناها ب «من جنسكم» ، مثلما قال الحق عن حواء:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ... }[النساء: ١]
أي: خلق حواء من نفس جنس آدم البشري، فلا يقولن أحد: كيف بعث الله لنا بشراً رسولاً؟ لأن الحق أراد الرسول من البشر رحمة بالناس؛ ولذلك يؤكد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على بشريته أكثر من مرة وفي مواقع كثيرة. والقرآن يقول:{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً}[الإسراء: ٩٤]
إذن: فبشرية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا تؤخذ على الله، ولكن تؤخذ لله؛ لأنه أرسل واحداً من نفس الجنس؛ ليكون قادراً على أن يتفاهم مع البشر، وتكون الأسوة به سهلة.