وقوله الحق:{مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: من جنس العرب، ولم يأت به من الروم أو من فارس، لكن اختار لكم من هو أعلم بطبائعكم. أو أن معنى {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: من نفس القبيلة التي تنتمون إليها معشر قريش.
أو أن {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} تعني: أنكم تعلمون تاريخه، وتعرفون أنه أهل لتحمل أمانة السماء للأرض، كما تحمل أماناتكم من الأرض للأرض؛ ولأن هذا هو سلوكه، فهو قادر على أن يتحمل أمانة السماء للأرض. ولقد سميتموه الصادق الأمين، والوفي، وكلها مقدمات كانت توحي بضرورة الإيمان به كرسول من عند الله. وإن كانت سلسلة أعماله معكم تثير فخركم، فمجيئة كرسول إنما يرفع من ذكركم، ويعلي من شأنكم. فأنتم أهل قريش ومكة ولكم السيادة في البيت الحرام، وقد جاء محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ ليزيد من رقعة السيادة لكم، فإذا كنتم قبل بعثته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سادة البيت، فأنتم بعد بعثته سوف تصيرون سادة العالم.
ويقول الحق سبحانه:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف: ٤٤]
فهو نبي الله للعالم أجمع ومن العرب ومن قريش، وكان يجب أن يفرحوا برسالته وأن يؤيدوها، لكن الله لم يشأ ذلك؛ لأن قريشاً قبيلة قد ألفت السيادة على العرب، وهذا جعل العرب يعملون لها حساباً، وخافت منها كل قبائل العرب في أنحاء الجزيرة العربية، وكانت لها مهابة هائلة؛ لأن كل العرب مضطرون للحج إلى الكعبة، وأثناء الحج تكون القبائل كلها في