شخص أبلغ من نفي التعقل؛ لأن معنى «لا يعلم» أي أنه ليس لديه شيء من علم غيره أو علمه.
وعندما يقول الحق سبحانه:{لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً} فمعنى ذلك أنه من المحتمل أن يعلموا، لكن عندما يقول:{لاَ يَعْلَمُونَ} فمعناه أنهم لا يعقلون ولا يعلمون، وهذا يناسب ردهم. فعندما قالوا:{بَلْ نَتَّبِعُ} فكان وصفهم ب {لاَ يَعْقِلُونَ} . وعندما قالوا:{حَسْبُنَا} وصفهم بأنهم {لاَ يَعْلَمُونَ} كالحيوانات تماما.
ونخلص مما سبق أن هناك ثلاث ملحوظات على الآيتين:
في الآية الأولى قال:{اتبعوا} ، وكان الرد منهم {نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا} والرد على الرد {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً} .
وفي الآية الثانية قال:{تَعَالَوْاْ} ، وكان الرد منهم {حَسْبُنَا} ، فكان الرد عليهم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً} .
وهكذا نرى أن كلا من الآيتين منسجمة، ولا يقولن أحد: إن آية جاءت بأسلوب، والأخرى بأسلوب آخر، فكل آية جاءت على أسلوبها يتطلبها فهي الأبلغ، فكل آية في القرآن منسجمة كلماتها مع جملها ومع سياقها.
وقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} مبنية للمفعول ليتضمن كل قول جاء على لسان أي رسول من الله من بدء الرسالات، فهي ليست قضية اليوم فقط إنما هي قضية قيلت من قبل ذلك. إن المعنى هو: إذا قيل لهم من أي رسول، اتبعوا ما أنزل الله قالوا:{بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} .
ويختم الحق الآية في سورة البقرة بقوله:{وَلاَ يَهْتَدُونَ} . وكذلك كان ختام آية المائدة:{وَلاَ يَهْتَدُونَ} ؛ لنعلم أن هدى السماء لا يختلف بين عقل وعلم، فالأولى جاءت بعد قوله تعالى:{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} والثانية جاءت في ختام قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} وذلك للدلالة على أن هدى السماء لا يختلف بين من يعقلون ومن يعلمون.