وتغير كل ذلك عندما دخل في الإسلام، فقد أخرجه الإيمان من هذا النَّعيم إلى بؤس المؤمنين الأولين لدرجة أنه كان يلبس جلد حيوان ويراه رسول الله في هذا الضنك فيقول:«انظروا كيف فعل الإيمان بصاحبكم» .
وعندما جاءت معركة بدر التقى مع أخيه «أبي عزيز» الذي ظل على دين قريش، والتقى الاثنان في المعركة، مصعب في معسكر المؤمنين، وأبو عزيز في جيش المشركين. وأثناء المعركة رأى أخاه أبا عزيز أسيراً مع أبي اليسر وهو من الأنصار؛ فالتفت مصعب إلى أبي اليسر، وقال: يا أبا اليسر أشدد على أسيرك فإن أمه غنية وستفديه بمال كثير.
فالتفت إليه أبو عزيز وقال: يا أخي أهذه وصاتك بأخيك؟ قال مصعب: لا لست أخي وإنما أخي هذا. وأشار إلى أبي اليسر.
لقد انتهى نسب الدم وأصبح نسب الإيمان هو الأصل، وأصبح مصعب أخاً لأبي اليسر في الإيمان، وانقطعت صلته بشقيقه في النسب لأنه ظل مشركاً.
وقوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} كأنه يحث ولي الدم على أن يعفو ولا ينسى أخوة الإيمان. صحيح أنه ولى للمقتول؛ لأنه من لحمته ونسبه، ولكن الله أراد أن يجعل أخوة الإيمان فوق أخوة الدم. {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف} .
وقد أورد الحق الأخوة هنا لترقيق المشاعر، لينبه أهل القاتل والقتيل معاً أن القتل لا يعني أن الأخوة الإيمانية انتهت، لا. إن على المؤمنين أن يضعوا في اعتبارهم أن أخوة الإيمان قد تفتر رابطتها. وحين يتذكر أولياء الدم أخوة الإيمان، فإن العفو يصبح قريباً من نفوسهم. ولنا أن نلاحظ أن الحق يرفعنا إلى مراتب التسامي، فيذكرنا أن عفو واحد من أولياء الدم يقتضي أن تسود قضية العفو، فلا يقتل القاتل.
وبعد ذلك لننظر إلى دقة الحق في تصفية غضب القلوب حين يضع الدية مكان