ليؤكد صدق الأسوة؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لو لم يكن بشراً وطلب من الناس أن يفعلوا مثله لقالوا: لن نستطيع لأنك لست مثلنا.
ولذلك نلحظ أن القرآن يؤكد على بشرية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يزيد عن البشر باصطفاء الله سبحانه له؛ ليكون رسولاً يُوحَى إليه، فمهمته الرسالية الأولى أن يُبلغ هذا الوحي، والمهمة الثانية أن يؤكد بسلوكه أنه مقتنع بهذا الوحي ويُطبِّقه على نفسه.
ويقول الحق سبحانه وتعالى:
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١] .
وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ناحية الثراء أقلَّ الناس مالاً، وهو غير متكبر، ولا جبَّار، وهو كمنوذج سلوكي تتوازن فيه وبه كل الفضائل؛ فلم يطلب لنفسه شيئاً، بل إنه منع أقاربه وأهله من حقوق أقرها لغيرهم من المسلمين، فأقاربه لم يُعِطهم الحق في أن يرثوا شيئاً مما يملكه بعد وفاته وقد حرمهم؛ ليكون كل عمل صادر منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أو ممن ينتسبون بالقرابة إليه هو عمل خالص لوجه الله تعالى.
وهذا السلوك هو عكس سلوك الرئاسات البشرية، أو السلطات الزمنية، فهذه الرئاسات أو تلك السلطات تفيض أول ما تفيض على نفسها بالخير، ثم تفيضه على الدوائر القريبة منها حسب أقطار القرب؛ فالقريب جداً يأخذ أولاً وكثيراً، ومَنْ يبعد في القرابة يأخذ الأقل حسب درجة بُعْده.