هذه إذن أمور تعرفها بالبديهة، ولا تحتاج إلى بحث أو جهد.
وهناك أمور قد تتطلب منك جهداً عقلياً تبحث به عما بعد المقدمات، مثل الجهد العقلي الذي استدل به العربي على أن هناك إلهاً خالقاً يُدير هذا الكون، فاستدل من البعرة على وجود البعير، وأن أثر القدم يدل على المسير، واستنتج من ذلك أن الكواكب ذات الأبراج، والأرض ذات الفجاج، والبحار ذات الأمواج، كلها أمور تدل على وجود اللطيف الخبير.
كل هذه الأمور لم يقدر العقل إلا على الحكم عليها جملة، وإن لم يعرف التفصيل.
لقد عرف العقل أن وراء هذا الكون خالقاً، صانعاً، حكيماً، لكنه لم يعرف اسماً له، وهذا أمر لا يعرفه الإنسان بالعقل، ولا يعرف أيضاً ما هو المنهج المطلوب لهذا الخالق، وبماذا يجزي المطيع له، ولا بماذا يعاقب العاصي له.
إذن: لا بد من بلاغ عن الله تعالى يدل على القوة التي اقتنعت بها جملة.
والمفكرون بالعقل في الكون يعلمون أن وراء هذا الكون خالقاً، لكن لا يعرفون اسمه، ولا مطلوبه.
إذن: فأنت لا تعرف اسم الله إلا منه، عن طريق الوحي إلى رسوله، ولا تعرف مطلوب الله إلا من الرسول الذي أنزل عليه البلاغ.
ومن رحمة الله بالإنسان أنه سبحانه قد أرسل رسولاً، ومع هذا الرسول معجزة هي القرآن؛ لأن العقل حتى حين يهتدي إلى قوة القادر الأعلى سبحانه، فإنها ستظل بالنسبة له مبهمة، وحين أنزل الحق سبحانه القرآن الكريم فقد أنزله رحمة بعباده وبينة لهم.