والآمر هنا هو الله سبحانه؛ وهو القادر على إنفاذ ما يأمر به، ولا يجرؤ مأمور ما على مخالفة ما يأمر به الحق سبحانه؛ فالكون كله يأتمر بأمر خالقه.
إذن: فحين يخبرنا الحق سبحانه وتعالى أن العذاب قد جاء لقوم؛ فمعنى ذلك أن الأمر قد صدر؛ ولم يتخلف العذاب عن المجيء؛ لأن التخلف إنما ينشأ من مجازفة أمر لمأمور قد لا يطيعه، ولا يجرؤ العذاب على المخالفة لأنه مُسخَّر، لا اختيار له.
والقائل هنا هو الله سبحانه صاحب الأمر الكوني والأمر التشريعي؛ فإذا قال الحق سبحانه حكماً من الأحكام وسجله في القرآن؛ فتيقن من أنه حادث لا محالة؛ لأن القضية الكونية هي من الحق سبحانه وتعالى، ولا تتخلف أو تختلف مع مشيئته سبحانه، والحكم التشريعي يسعد به مَنْ يُطِّبقه؛ ويشقى من يخالفه.
والحق سبحانه يعطينا مثالاً لهذا في قصة أم موسى. . يقول جَلَّ شأنه:
{وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم}[القصص: ٧] .
فمنطق البشر يقول: كيف نقول لامرأة: إذا خِفْتِ على ابنك ألقيه في البحر؟ كيف ننجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟
هذا وإن كان مخالفاً لسنن العادة إلا أن أم موسى سارعت لتنفيذ أمر الله سبحانه؛ لأن أوامر الله بالإلهام للمقربين، لا يأتي لها معارض في الذهن.
والحق سبحانه كما أمرها بإلقاء وليدها في اليم، فقال: