سبحانه من يُريد الله أن يبتليه بمرض أو موت فلن ينجو من قدره. إن الحق يريد إيمان قلوب لا رضوخ قوالب. فالذي يجبر الآخرين على الإيمان بالكرباج لن يتبعه أحد، وهو نفسه غير مؤمن بما يفرضه على الناس. ولو كان مؤمنا به لما فرضه على الناس بالقسر؛ إنهم سيقبلونه عن طواعية واختيار عندما يتبيّن لهم أنه الحق المناسب لصلاح حياتهم.
ونحن نلتفت حولنا فنجد أن النظم والحكومات التي تفرض مبادئها بالسوط والقهر تتساقط تباعاً، فعندما تتخلى هذه الحكومات عن السوط والبطش فإن الشعوب تتخلى عن تلك الأفكار. والقرآن هنا يعالج هذه المسألة عندما يتحدث عن القتال وتشريع القتال، الأمر الذي اختص به الحق أمة الإسلام. وهو سبحانه لم يأذن بالقتال خلال فترة الدعوة المكية التي استمرت ثلاثة عشر عاماً، ثم أذن به بعد الهجرة إلى المدينة.
وقد كان من الضروري أن يتأخر أمر القتال؛ لأن الحق أراد أولاً أن يلتفت المسلمون إلى اتباع المنهج حتى يكونوا لغيرهم قدوة، ويروا فيهم أسوة حسنة، لذلك قال الحق:{فاعفوا واصفحوا حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ}[البقرة: ١٠٩]
وقال سبحانه أيضاً:{وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين وَدَعْ أَذَاهُمْ}[الأحزاب: ٤٨]
لماذا كل هذا التدرج؟ لأن الحق سبحانه وتعالى علم أن الدعوة للإسلام ستدخل البيوت العربية، فسيضم البيت الواحد كافراً بالله ومؤمناً بالله، ولو أنه سبحانه وتعالى شرع القتال من البداية لصار في كل بيت معركة.
ثم إن الحق سبحانه وتعالى يعلم أن تلك القبائل العربية بها كثير من خفة وطيش وسفه؛ وكانوا يقتتلون لأتفه الأسباب؛ فمن أجل ناقة ضربها كليب بسهم في ضرعها فماتت اشتعلت الحرب أربعين سنة. وفي ذلك يقول الشاعر عند الحفيظة