قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا
والثاني يقول:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا
أي أنهم لا يسألون أخاهم:«لماذا نحارب؟» ، وإنما يحاربون بلا سبب ولأي سبب، فالحمية الرعناء تدفعهم للقتال بلا سبب. وفي مقابل ذلك كانت عندهم نخوة للحق، فعندما يرون شخصا قد ظلمه غيره؛ تأخذهم النخوة، ويأخذون على يد الظالم، وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يهيج فيهم النخوة حين يرون الضعاف من المسلمين مستضعفين، وقد عزلهم بعض من القوم في شعب أبي طالب وجوعوهم وقاطعوهم حتى اجتمع الخمسة العظام في مكة وقالوا:«كيف نقبل أن نأكل ونشرب ونأتي نساءنا وبنو هاشم وبنو المطلب محصورون في الشعب لا يأكلون ولا يشربون ولا يتبايعون» .
لقد كانوا كفاراً، وبرغم ذلك وقفوا موقفاً عظيماً وقالوا: هاتوا الصحيفة التي تعاهدنا فيها على أن نقاطع بني هاشم وبني المطلب ونقطعها؛ واتفقوا على ذلك. وكانوا خمسة من سادات مكة هم: هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية، وأبو البحتري بن هاشم، وزمعة ابن الأسود، والمطعم بن عدي. وكانوا قادة النخوة التي أنهت مقاطعة المسلمين. هكذا نرى أن العرب كانوا يتسمون بالحمية الرعناء وتقابلها النخوة في الحق.
ويعلم الحق سبحانه وتعالى أن نقل أمة العرب مما اعتادته ليس أمراً سهلاً، لذلك أخذهم برفق الهَوَادة. والذين يقولون: لماذا لم يحارب المسلمون أعداءهم من أول وهلة ولماذا لم يقتلوا صناديد الكفر في مكة؟