للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نقول لهم: إن كثيراً من الذين كنتم ترون قتالهم في بداية الدعوة الإسلامية هم الذين نشروا راية الإسلام من بعد ذلك، ومثال ذلك خالد بن الوليد، الذي كان قائداً مغواراً في صفوف المشركين، وقاتل المسلمين في أول حياته، ثم هداه الله للإسلام وأصبح سيف الله المسلول، ماذا لو قتل هذا القائد الفذ على أيدي المسلمين؟ كان مثل هذا الفعل سيتسبب في حرمان المسلمين من موهبته، تلك الموهبة التي أسهمت في معظم الفتوحات الإسلامية في الشام والعراق.

إذن شاءت حكمة الله أن يستبقي أمثال خالد وهم خصوم للإسلام في بدء الدعوة لأن الله قد أعد لهم دوراً يخدمون به الإسلام. والذين نالوا من الإسلام أولا هم الذين ستبقى عندهم الحرارة حتى يعملوا عملاً يغفر الله لهم به ما قد سبق.

انظر إلى عكرمة بن أبي جهل كان شوكة في ظهر المسلمين في بداية الدعوة، ثم أسلم وأبلى بلاء حسناً، ولما أصيب في موقعة اليرموك وأوشكت روحه أن تصعد إلى خالقها نظر إلى قائده خالد بن الوليد وقال: أهذه ميتة تُرضى عني رسول الله؟ . كأنه كان يعلم أن رسول الله كان قد غضب عليه قبل أن يسلم.

وعمرو بن العاص داهية المسلمين الذي لولاه ما فُتحت مصر. فقد كسب بدهائه أهل مصر فامتنعوا عن قتاله، وناظرهم بعد ذلك حتى استل حقدهم على المسلمين، وأبان لهم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال موصياتهم «استوصوا بالقبطيين خير لأن لهم رحما وذمة» وفوق هذا فقد أرسله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى بعض العرب يستقرهم إلى الإسلام.

إذن فمن رحمة الله أنه لم يشأ تشريع القتال من البداية، وإلا لكنا فقدنا كثيراً من قادة الإسلام العظام الذين حملوا لواء الدعوة الإسلامية فيما بعد، وكل إنسان استقاه الإسلام وهو خصم وعدو للإسلام، قدر الله له بعد الإسلام دورا يخدم به الدين الخاتم.

ومن هنا نفهم الحكمة من تأخير القتال في الإسلام، لأن الله أراد أن يمحص ويختبر، وألا يدخل هذا الدين إلا من يتحمل متاعب هذا الدين، ومشاقه لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>