للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحق يقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} . وكلمة «ألقى» تفيد أن هناك شيئا عالياً وشيئاً أسفل منه، فكأن الله يقول: لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، وهل سيلقي الواحد منا نفسه إلى التهلكة، أو أن يلقي نفسه في التهلكة بين عدوه؟ لا، إن اليد المغلولة عن الإنفاق في سبيل الله هي التي تُلقي بصاحبها إلى التهلكة؛ لأنه إن امتنع عن ذلك اجترأ العدو عليه، وما دام العدو قد اجترأ على المؤمنين فسوف يفتنهم في دينهم، وإذا فتنهم في دينهم فقد هلكوا. إذن فالاستعداد للحرب أنفى للحرب، وعندما يراك العدو قوياً فهو يهابك ويتراجع عن قتالك.

والحق سبحانه كما يريد منا في تشريع القتال أن نقاتل يأمرنا أن نزن أمر القتال وزناً دقيقاً بحسم، فلا تأخذنا الأريحية الاكذبة ولا الحمية الرعناء، فيكون المعنى: ولا تقبلوا على القتال إلا إن كان غالب الظن أنكم ستنتصرون، فحزم الإقدام قد يطلب منك أن تقيس الأمور بدقة، فالشجاعة قد تقتضي منك أن تحجم وتمتنع عن القتال في بعض الأحيان، لتنتصر من بعد ذلك ساعة يكمل الإعداد له.

والمعنى الأول يجعلك تنفق في سبيل الله ولا تلقي بيدك إلى التهلكة بترك القتال. والمعنى الثاني أي لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بأن تقبلوا على القتال بلا داع أو بلا إعداد كافٍ. إن الحق يريد من المؤمنين أن يزنوا المسائل وزناً يجعلهم لا يتركون الجهاد فيهلكوا؛ لأن خصمهم سيجترئ عليهم، ولا يحببهم في أن يلقوا بأيديهم إلى القتال لمجرد الرغبة في القتال دون الاستعداد له. وهذا هو الحزم الإيماني، إنها جملة واحدة أعطتنا عدة معان.

ويذيل الحق الآية الكريمة بقوله: {وأحسنوا إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} الحق يقول: {وأحسنوا} . والإحسان كما علمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أن تعبد الله أي تطيع أوامره كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» .

مشكلة الناس هذه الأيام أنهم يتشبهون ب «فإنه يراك» ، فعملوا الدوائر التليفزيونية المغلقة في المحلات الكبرى حتى تتم مراقبة سير العمل في أرجاء المحل، هذه فعل البشر. لكن انظر إلى تسامي الإيمان، إنه يأمرك أنت أن ترى الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>