للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا تؤد العمل أداء شكلياً يرفع عنك العتب، بل عليك أن تؤدي العمل بقصد الإحسان في العمل.

والإحسان في كل شيء هو إتقانه إتقاناً بحيث يصنع الإنسان لغيره ما يحب أن يصنعه غيره له، ولو تعامل الناس على هذا الأساس لامتازت كل الصناعات، لكن إذا ساد الغش فأنت تغش غيرك، وغيرك يغشك، وبعد ذلك كلنا نجأر بالشكوى، وعلينا إذن أن نحسن في كل شيء: مثلا نحسن في الإنفاق، ولن نحسن في الإنفاق إلا إذا أحسنا في الكدح الذي يأتي بثمرة ما ننفق؛ لأن الكدح ثمرته مال، ولا إنفاق إلا بمال، فتخرج من عائد كدحك لتصرفه في المناسب من الأمور.

ودائرة الإحسان لا تقتصر على القتال فقط، فالأمر هنا عام، ولا تعتقد أنه أمر في زاوية من زوايا الدين جاءت لتخدم جزئية من جزئيات الحياة، إنما كل زاوية من زوايا الدين جاءت لتخدم كل جزئيات الحياة، فالإحسان إذا كان بالمال فهذا يقتضي أن يحسن الإنسان الحركة في الأرض، ويعمل عملاً يكفيه ويكفي من يعول، ثم يفيض لديه ما يحسن به.

إذا لم يتوافر المال، فعليك أن تُحسن بجاهك وتشفع لغيرك، والجاه قد قومه الإسلام أي جعل له قيمة، فعلى صاحب الجاه أن يشفع بجاهه ليساعد أصحاب الحقوق في الحصول على حقوقهم، وعلى الوجيه أيضا أن يأخذ الضعيف في جواره ويحميه من عسف وظلم القوي، وعليه بجاهه أن يقيم العدل في البيئة التي يعيش فيها.

والوجاهة تعني أن يكون للإنسان احترام أو وزن أو تقدير، وهذه الأشياء لها مسبقات في إحسان الشخص، لا يأخذها بلا سبب، إنما سبقها عمل جعل له وجاهة عند الناس. فالناس في العادة لا يحترمون إلا من يكون له لون من الفضل عليهم، فكأنه احترام مدفوع الثمن، وليس احتراماً مجانيّاً. وقد يكون الإحسان بالعلم. أو بفضل القوة، بإعانة الضعيف. أو بإكساب الخبرة للآخرين. أو بتفريج كربة عن مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>