وقيل لعربي: إنكم تحسنون أسماء عبيدكم فتقولون «سعيداً» و «سعداً» و «فضلاً» وتسيئون أسماء أبنائكم؛ تسمونهم:«مُرة» ، «كلباً» ، «صخراً» قال العربي: نعم؛ لأننا نسمي أبناءنا لأعدائنا ليكونوا في نحورهم، ونسمي عبيدنا لنا. وكلمة «عرفة» هي الآن علم على مكان، لكن سبب تسميتها فيه خلاف: قيل: لأن آدم هبط في مكان وحواء هبطت في مكان، وظل كلاهما يبحث عن الآخر حتى تلاقيا في هذا المكان، فسُمي «عرفة» .
والحديث عن آدم وحواء يقتضينا أن نبحث عن سبب تفرقهما الذي جعل كلا منهما يبحث عن الآخر، إذا كان الله عَزَّ وَجَلَّ خلقهما ليكونا زوجين فلماذا فرقهما؟ . لك أن تتصور حال آدم وهو مخلوق في عالم غريب واسع بمفرده، وينظر حوله فلا يجد بشراً مثله، بالله ألا يشتاق لإنسان يؤنس وحدته؟ .
وماذا يكون حاله عندما يرى إنساناً؟ . لاشك أنه سيقابله باشتياق شديد. من أجل هذا فرق الله بينهما وجعل كلاًّ منهما يبحث عن إنسان يؤنس وحشته، ولو ظل كل منهما بجوار الآخر فربما كان الأمر عادياً. وهكذا أراد الله لكل من آدم وحواء أن يشتاق كل منهما للآخر، فأبعدهما عن بعضهما ثم تلاقيا بعد طول بعاد، فكان الشوق للقاء. وبعد اللقاء تأتي المودة والرحمة والألفة والسكن، وهو مطلوب الحياة لزوجين. وهناك قول آخر بخصوص تسمية عرفات: إن سيدنا آدم قالت له الملائكة وهو في ذلك المكان: اعرف ذنبك وتب إلى ربك فقال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين}[الأعراف: ٢٣]
فيكون بذلك قد عرف زلته وعرف كيف يتوب. أو حينما أراد الله أن يُعَلِّم إبراهيم عليه السلام، وهو الذي دعا ربَّه أن يجعل أفئدة الناس وقلوبهم تميل وتهوى هذا المكان. إن إبراهيم رأى في المنام أن يذبح ابنه. وتلك مسألة شاقة من ثلاثة وجوه: المشقة الأولى أنها رؤيا وليست وحياً. والمشقة الثانية أنه ابنه الوحيد، والمشقة الثالثة أنه هو الذي سيذبحه.