قوله:{ثُمَّ} تدل على أنه لابد من الوقوف بعرفة أو المبيت في مزدلفة؛ لأن {ثُمَّ} تدل على البعدية ببطء والتعقيب بتمهل.
إذن قوله:« {ثُمَّ أَفِيضُواْ} حجة لمن قال: إنه لابد من المبيت في مزدلفة. وهذه الآية نزلت لأن قريشاً كانت ترى نفسها أهل الحرم فلا يُطالبون أبداً بما يُطالب به سائر الناس، ولذلك لا يذهبون مع الناس إلى عرفات، والله يريد بالحج المساواة بين الناس، ولذلك قال النبي في حجة الوداع:» كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان «فلابد أن ينسخ الله مسلك قريش فقال: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس} يعني لا تميز لكم ولا تفرقة بين المسلمين.
وبعض المفسرين يقول: إن معنى {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس} المقصود به من حيث أفاض إبراهيم، بمعنى أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد رسم مناسك الحج كلها بعد أن علمها الله له، فالناس وإن كانوا جمعاً إلا أن المراد بكلمة» الناس «هو» إبراهيم «. ولا نستغرب أن يكون معنى:» الناس «هو» إبراهيم «لأن الله وصفه بأنه» أمة «. وكلمة الناس تُطلق على الإنسان الذي يجمع خصائص متعددة؛ ولذلك قال الله عَزَّ وَجَلَّ عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ}[النساء: ٥٤]
لقد وصف الحق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالناس. والرجل الذي ذهب للمؤمنين يخبرهم باستعداد المشركين لقتالهم نزل فيه قوله تعالى:{الذين قَالَ لَهُمُ الناس} إنه إنسان واحد ومع ذلك وصفه الله بالناس، كأنه بتنبيهه للمسلمين يكون جمع كل صفات الخير في الناس.
{واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} إنّ الحق سبحانه وتعالى يعلم أن بني آدم