وحينما يريد الحق سبحانه منك أن تصبر؛ فهو لا يطلب ذلك منك وحدك؛ ولكن يطلب من المقابلين لك جميعاً أنْ يصبروا على إيذائك لهم؛ فكأنه طلب منك أنْ تصبر على الإيذاء الواقع من الغير عليك؛ وأنت فرد واحد.
وطلب من الغير أيضاً أنْ يصبر على إيذائك، وهذا هو قمة التأمين الاجتماعي لحياة النفس الإنسانية، فإذا كان سبحانه قد طلب منك أن تصبر على من آذاك؛ فقد طلب مَنْ الناس جميعاً أن يصبروا على آذاك لهم.
فإذا بدرتْ منك بادرة من الأغيار؛ وتخطئ في حق إنسان آخر وتؤلمه؛ فإن لك رصيداً من صبر الآخرين عليك؛ لأن الحق سبحانه طلب من المقابل لك أن يصبر عليك وأنْ يعفو.
وإذا كان لك غريم؛ فالصبر يحتاج منك إلى ثلاث مراحل: أن تصبر صبراً أولياً بأن تكظم في نفسك؛ ولكن الغيظ يبقى، وإن منعت الحركة النُّزوعية من التعبير عن هذا الغيظ؛ فلم تضرب ولم تَسُبّ؛ ويسمى ذلك:{الكاظمين الغيظ ... }[آل عمران: ١٣٤]
والكَظْم مأخوذ من عملية رَبْط القِرْبة التي نحمل فيها الماء؛ فإنْ لم نُحْكِم ربطها انسكب منها الماء؛ ويُقال «كظم القربة» أي: أحكم ربطها.
ثم يأتي الحق سبحانه بالمرحلة الثانية بعد كظم الغيظ فيقول: