ومع أن الحق سبحانه يضرب مثلاً، إلا أنه خلَّص المَثَل من شوائبه التي نعرفها في الدنيا، فالمياه عندما تجري؛ تكون حُلْوة ورائقة وصَافية؛ وإنْ ركدتْ فهي تأسُنُ وتكون عَطِنة.
ولذلك يُوضِّح لنا الحق سبحانه أن المياه في الجنة غير آسنة؛ وأنها تكون أنهاراً منزوعاً من مياهها ما يُكِّدرها.
وكذلك المثل بأنهار من لبن لم يتغير طَعْمه. واللبن كما نعرف هو غذاء البدو؛ فَهُمْ يحلبون الماشية، ويحتفظون بألبانها في قِرَبٍ لِمُدةٍ طويلة؛ فيتغير طَعْم اللبن؛ ولذلك يضرب لهم المثَل بوجود أنهار من لبن لم يتغير طَعْمه.
وأيضاً يضرب المثل بوجود أنهار من عَسَل مُصفَّى، والعسل كما نعرف كان في الأصل يأتي من النحْل الذي كان يسكن الجبال قبل استئناسه؛ ووَضْعه في مناحل في الحدائق.
والحق سبحانه وتعالى هو القائل:{وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}
[النحل: ٦٨]
وحين بحث علماء الحشرات عن تاريخ النحل، وجدوا أن أقدمَ عسل في العالم هو الذي كان موجوداً في الكهوف الجبليّة؛ ثم يليه في العمر العسل الذي جاء من خلايا النحل؛ تلك الخلايا التي أقامها