وكانت هذه الأمية شرفاً لهم كَيْلا يُقََال: إنهم أصحاب قَفْزة حضارية من أمة مُتمدينة. وكانت هذه الأمية مُلْفتة، لأن ما جاء في تلك الأمة من تشريعات وقفتْ أمامه الأمم الأُخرى إلى زماننا هذا باندهاش وتقدير.
وشاء الحق سبحانه لهذه الأمة أن تحمِلَ رسالة السماء لكل الأرض، وبعد أن نزل قول الحق سبحانه:{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ... }[المائدة: ٣]
فَهِم بعض الناس أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ينعِي نفسه لأمته.
ومن بعد رحيله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى الرفيق الأعلى انساح صحابته بالدين الخاتم في الدنيا كلها، وخلال نصف قرن من الزمان صار للإسلام جناحان؛ جناح في الشرق، وجناح في الغرب. وهزم اكبر إمبراطوريتين متعاصرتين له؛ هما إمبراطورية فارس بحضارتها وإمبراطورية الروم.
وكانت البلاد تتخطَّف الإسلامَ كمنهج حياة، حدث ذلك بعد أن حارب الإسلامُ الإمبراطوريتين في آنٍ واحد، وأقبل الناس على الإسلام لِيتحقَّقوا من معجزته التي لَمسُوها في خُلُق مَنْ سمِعوا القرآن وحَملوا رسالته؛ ثم في اكتشافهم لعدالة القرآن في إدارة حركة الحياة.