وهكذا يعلن أهل الكفر لرسلهم أنهم يُفضِّلون أن يكونوا أهل تقليد للآباء، ولو أنهم فكَّروا لَعِلموا أن التقليد لو شاع في المجتمعات لَما ارتقى أحدٌ عن آبائه وأجداده، فالعالم يتطور من تمرُّد جيل على جيل سابق، فلماذا يُصِرّ هؤلاء الكافرون على أن يحتفظوا بتقليد الآباء والأجداد؟
وإذا كان الأبناء يتطورون في كل شيء، فلماذا يحتفظ هؤلاء الكفار بتقليد الآباء في العقائد؟
ولا يكتفي أهل الكُفْر بذلك، بل يطلبون أن يأتيَ لهم الرسل بسلطان مبين، والسلطان يُطلق مرَّة على القهر على الفعل، ويكون الفاعل المقهور كارهاً للفعل.
ومرّة يطلق على الحجة التي تُقنع بالفعل، ويكون الفاعل مُحِباً لما يَقْدُم عليه، والدين لا يمكن أن ينتشر قهراً؛ بل لا بُدَّ أن يُقبل الإنسان على الدين بقلبه، وذلك لا يأتي قهراً.
لذلك نجد القول الحق:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي ... }[البقرة: ٢٥٦] .
وما دام الرُّشدْ قد ظهر فالإكراه لا مجالَ له؛ لأن الذي يُكْره على شيء لا يمكن له أن يعتنق ما يُكره عليه.
وإذا ما دخل الإنسان الدين فعليه أن يلتزَم بما يُكلِّف به الدين؛