وفي مسألة التسخير والاختيار تَعِب الفلاسفة في دراستها؛ وذهبت المذاهب الفلسفية - وخصوصاً في ألمانيا - إلى مذهبين اثنين ظاهرهما التعارض؛ ولكنهما يسيرانِ إلى غايةٍ واحدة وهي تبرير الإلحاد.
وكان من المقبول أن يكونَ مذهبٌ يُبرر الإلحاد، وأنْ يبررَ الآخرُ الإيمانَ، ولكن شاء فلاسفة المذهبين أنْ يُبرروا الإلحاد.
وقال فلاسفة أحد المذهبين: أنتم تقولون إن الكون تُديره قوة قادرة حكيمة؛ وأن كُلّ ما فيه منضبط بتصرفات محسوبة ودقيقة.
ولكن الواقع يقول: إن هناك بعضاً من المخالفات التي نراها في الكائنات، والمثل هو تلك الشذوذات التي في الإنسان - على سبيل المثال - فهناك القصير أكثر من اللازم؛ وهناك الطويل أكثر من اللازم؛ وهناك مَنْ يولد بعين واحدة؛ وهناك مَنْ يولد بذراع عاجز؛ ولو أن القوة التي تدير الكون حكيمة لَمَا ظهرتْ أمثال تلك الشذوذات.
ونرد على صاحب تلك النظرية قائلين: وإذا لم يكُنْ هناك إله، أتستطيع أن تقول نال الحكمة من وراء وجود تلك الشذوذات؟ فأنت تدفع الحكمة عن الخالق الذي نؤمن به؛ فهل تستطيع أنت إثباتَ الحكمة لغيره؟ طبعاً لن يستطيع أنْ يردَّ عليك؛ لأن كلامه مردود.
ثم نأتي للمدرسة المقابلة التي تقول: إن النظام الموجود بالكون يدل على أنه لا يوجد له خالق؛ فهو نظام ثابت آليّ؛ ولا يوجد إله قادر على أن يقلب آلية هذا الكون.