الثاني هم الذين هاجروا، والصنف الثالث هم الذين جاهدوا. إن الذين آمنوا إيماناً خالصاً لوجه الله، وهاجروا لنصرة الدين، وجاهدوا من أجل أن تعلو كلمة الإسلام هؤلاء قد فعلوا كل ذلك وهم يرجون رحمة الله. ولقائل أن يقول: أليست الرحمة مسألة متيقنة عندهم؟
ونقول: ليس للعبد عند الله أمر متيقن؛ لأنك قد لا نفطن إلى بعض ذنوبك التي لم تُحسن التوبة منها، ولا التوبة عنها. وعليك أن نضع ذلك في بالك دائماً، وأن تتيقن من استحضار نية الإخلاص لله في كل عمل تقوم به؛ فقد تحدثك نفسك بشيء قد يفسد عليك عملك، وكذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو سيد الخلق وسيد الموصولين بربهم يقول:«اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يُرفع ودعاء لا يُسمع» .
إن الرسول الكريم وهو سيد المحتسبين في كل أعماله يعلمنا أن النفس قد تخالط صاحبها بشيء يفسد الطاعة. وعلى المسلم أن يظل في محل الرجاء. والمؤمن الذي يثق في ربه لا يقول: إن على الله واجباً أن يعمل لي كذا؛ لأن أصل عبادتك لله سبق أن دفع ثمنها، وما تناله من بعد ذلك هو فضل من الله عليك، مدفوع ثمنها لك إيجاداً من عدم وإمداداً من عُدْم، ومدفوع ثمنها بأن متعك الله بكل هذه الأشياء، فلو قارنت بين ما طلبه الله منك على فرض أنك لا تستفيد منه فقد أفدت مما قدم لك أولا، وكل خير يأتيك من بعد ذلك هو من فضل الله عليك، والفضل يرجى ولا يُتيقن.
وعظمة الحق سبحانه وتعالى في أنك تدعوه خوفاً وطمعاً. ويقول هذا المثل ولله المثل الأعلى إن من عظمتك أمام والدك أنك تجد لك أباً تخاف منه، وترغب أن يحقق لك بعضاً من أحلامك، ولو اختلت واحدة من الاثنتين لاختلت الأبوة والبنوة.
كذلك عظمة الرب يُرغب ويُرهب: إن رغبت فيه ولم ترهبه فأنت ناقص