ولا تعتزّ بالأنسال والأنجال، فقد يأتي الولد عاقّاً لا يُسعِف أبويْه في شدة، ولا يعينهما في حاجة؛ ذلك لأنك لجأتَ إلى عَصَبية الدم وعَصَبيَّة الدم قد تتخلّف، أما عَصبِيّة العقيدة وعَصَبية الإيمان والدين فلا.
ولنأخذ على ذلك مثالاً. . ما حدث بين الأنصار والمهاجرين من تكافل وتعاون فاق كُل ما يتصوره البشر، ولم يكُنْ بينهم سوى رابطة العقيدة وعصبية الإيمان. . ماذا حدث بين هؤلاء الأفذاذ؟
وجدنا أن العصبية الإيمانية جعلت الرجل يُضحِّي بأنفَس شيء يضِنُّ به على الغير. . نتصور في هذا الموقف أن يعود الأنصار بفضل ما عندهم من نعم على إخوانهم المهاجرين، فَمنْ كانت عنده ركوبة أو منزلة مثلاً يقول لأخيه المهاجر: تفضل اركب هذه الركوبة، أو اجلس في هذا المنزل.
. هذا كله أمر طبيعي.
أما نعيم المرأة، فقد طُبِع في النفس البشرية أن الإنسان لا يحب أن تتعدَّى نعمته فيها إلى غيره. . لكن انظر إلى الإيمان، ماذا صنع بالنفوس؟ . . فقد كان الأنصاري يقول للمهاجر: انظر لزوجاتي، أيّهن أعجبتْك أُطلِّقها لتتزوجها أنت، وما حمله على ذلك ليس عصبية الدم أو عَصبيّة الجنس، بل عَصبيّة اليقين والإيمان.