أما المزج فهو في السوائل. والحق سبحانه يرشدنا أن نخالط اليتامى لا أن نمزج مالهم بمالنا؛ لأن اليتيم سيصل يوما إلى سن الرشد، وسيكون على الوصي أن يفصل ماله عن مال اليتيم.
ويتابع الحق:{والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} لأن الوصي قد يدعي أمام الناس أنه يرعى حق اليتيم، وأنه يقوم بمصالحه ويحترم ماله، لكن الأمر قد يختلف في النية وهو سبحانه لم يكل الأمر إلى ظواهر فهم المجتمع لسلوك الوصي مع اليتيم وعن المخالطة، بل نسب ذلك كله إلى رقابته سبحانه، وذلك حتى يحتاط الإنسان ويعرف أن رقابة الله فوق كل رقابة، ولو شاء الحق لأعنت الأوصياء وجعلهم يعملون لليتيم وحده، ويفصلون بين حياة اليتيم وحياتهم ومعاشهم. وفي ذلك مشقة شديدة على النفس. وحتى نفهم معنى العنت بدقة فلنقرأ قول الحق سبحانه:{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: ١٢٨]
لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول منكم، عربي ومن قريش يبلغكم رسالة الله سبحانه وتعالى. يحرص عليكم كيلا تقعوا في مشقة أو تعيشوا في ضنك الكفر، حريص على أن تكونوا من المهتدين.
فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يأتي من جنس الملائكة، ولكن جاء من جنس البشر، فلا يقولن أحد: إنه لا يصلح أسوة لي. إنه نشأ في مكة التي تعيش بها قريش، وتاريخه معروف لقومه: بدليل أنهم خلعوا عليه أول الأوصاف المطلوبة والواجبة للرسالة وهي الأمانة، فالحق جاء به من البشر وليس بغريب عليهم، وبمجرد أن أخبر بالوحي وجد أناسا آمنوا به قبل أن يقرأ قرآنا، وقبل أن يأتيهم بتحدٍ. «فعندما جاءه المَلَكُ جبريلُ عليه السلام في غار حراء، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، [أي ضمني وعصرني، والحكمة فيه شغله عن الالتفات ليكون قلبه حاضراً] ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا