فالمعنى: فبعزتك عن خَلْقك: يؤمن مَنْ يؤمن، ويكفر مَنْ يكفر، سوف أدخل من هذا الباب لإغواء البشر، ولكني لا أجرؤ على الاقتراب ممَّنْ اخترتَهم واصطفيتَهم، لن أتعرَّضَ لعبادك المخلصين، ولا دَخْلَ لي بهم، ولا سلطان لي عليهم.
كذلك يجب أن نعلم أن الشيطان دقيق في تخطيطه، وهذا من مداخله وتلبيسه الذي يدعونا إلى الحذر من هذا اللعين. فالشيطان لا حاجة له في أن يذهب إلى الخمارات مثلاً، فقد كفاه أهلُها مشقة الوَسْوسة، ووفّروا عليه المجهود، هؤلاء هم أولياؤه وأحبابه ومُريحوه بما هم عليه من معصية الله، ولكنه في حاجة إلى أن يكون في المساجد ليُفسِد على أهل الطاعة طاعتهم.
وقد أوضح هذه القضية وفطن إليها الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان، وكان مشهوراً بالفِطْنة، وعلى دراية بمداخل الشيطان وتلبيسه، وكل هذا جعل له باعاً طويلاً في الإفتاء، وقد عرض عليه أحدهم هذه المسألة:
قال: يا إمام كان لديّ مال دفنته في مكان كذا، وجعلتُ عليه علامة، فجاء السَّيْل وطمس هذه العلامة، فلم أَهتدِ إليه، فماذا أفعل؟
فتبسَّم أبو حنيفة وقال: يا بُني ليس في هذا علم، ففي أيّ باب من أبواب الفقه سيجد أبو حنيفة هذه القضية؟! ولكني سأحتال لك.
وفعلاً تفتقتْ قريحة الإمام عن هذه الحيلة التي تدل على عِلْمه وفقهه، قال له: إذا جئتَ في الليل فتوضّأ، وقُمْ بين يدي ربّك