ومن هنا كانت الثانية خَيْراً من الأولى، كما نقول: قليل دائم خير من كثير منقطع.
أما في قوله تعالى:{أَوْ مِثْلِهَا} أي: أن الأولى مِثْل الثانية، فما وَجْه التغيير هنا، وما سبب التَبديل؟
نقول: سببه هنا اختبار المكلَّف في مدى طاعته وانصياعه، إنْ نُقِل من أمر إلى مثله، حيث لا مشقَّة في هذا، ولا تيسيرَ في ذاك، هل سيمتثل ويطيع، أم سيجادل ويناقش؟
مثل هذه القضية واضحة في حادث تحويل القبلة، حيث لا مشقة على الناس في الاتجاه نحو بيت المقدس، ولا تيسير عليهم في الاتجاه نحو الكعبة، الأمر اختبار للطاعة والانصياع لأمر الله، فكان من الناس مَنْ قال: سمعاً وطاعة ونفّذوا أمر الله فوراً دون جدال، وكان منهم مَن اعترض وأنكر واتهم رسول الله بالكذب على الله.
ومن ذلك أيضاً ما نراه في مناسك الحج مما سنَّه لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث نُقبل الحجر الأسعد وهو حجر، ونرمي الجمرات وهي أيضاً حجر، إذن: هذه أمور لا مجال للعقل فيها، بل هي لاختبار الطاعة والانقياد للمشرع سبحانه وتعالى.
ثم يقول تعالى:
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[النحل: ١٠١] .
بل: حرف يفيد الإضراب عن الكلام السابق وتقرير كلام جديد،