وهنا تتجلى عظمة الربوبية التي تُربِّي الأنبياء، وتصنعهم على عَيْنها، فكل مواقف الأنبياء تتجمع في النهاية، وتعطينا خلاصة الكمال البشري.
ويدل على دقة إبراهيم عليه السلام في أداء ما طُلِب منه موقفه في بناء البيت، فبعد أن دَلَّه الله على مكانه أخذ يُزيح عنه آثار السيول، ويكشف عن قواعده، وكان يكفي إبراهيم لتنفيذ أمر ربه أنْ يرفع البناء إلى ما تناله يده من ارتفاع، ولكنه أحب أن يأتي بالأمر على أتمِّ وجوهه، وينفذه بدقة واحتياط، ففكَّر أن يأتي بحجر مرتفع، ويقف عليه ليزيد من ارتفاع البناء، فجاء بالحجر الذي هو مقام إبراهيم، كل ذلك وولده يساعده؛ لذلك لما أتى بالحجر جاء بحجر لا يرفعه إلا رجلان.
وكذلك موقفه الإيماني وتخلِّيه عن الأسباب، حينما ترك زوجه هاجر وصغيره إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع، وفي مكان خالٍ من مُقوِّمات الحياة وأسباب العيش.
إنه لا يؤمن بالأسباب، إنما يؤمن بمُسبِّبها، وطالما أنه سبحانه موجود فسوف يُوفِّر لهم من الأسباب ما يحفظ حياتهم؛ لذلك حينما سألته هاجر: أهذا منزل أنزلكه الله أم من عندك؟
فلما علمت أنه من الله قالت: إذن لن يُضيِّعنا. وكأن إيمان