للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فشقَّ الأمر على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأثَّر في نفسه، وواجه هذا الموقف بعاطفتين: عاطفته الإيمانية، وعاطفة الرحم والقرابة فهو عمه الذي آزره ونصره، ووقف إلى جواره، فقال في انفعاله بهذه العاطفة: «لئن أظهرني الله عليهم لأُمثِّلنَّ بثلاثين رجلاً منهم» .

ولكن الحق سبحانه العادل الذي أنزل ميزان العدل والحق في الخلق هَدَّأ من رَوْعه، وعدَّل له هذه المسألة ولأمته من بعده، فقال:

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ. .} [النحل: ١٢٦] .

والمتأمل للأسلوب القرآني في هذه الآية يلحظ فيها دعوة إلى التحنُّن على الخصم والرأفة به، فالمتحدث هو الله سبحانه، فكل حرف له معنى، فلا تأخذ الكلام على إجماله، ولكن تأمل فيه وسوف تجد من وراء الحرف مراداً وأن له مطلوباً. لماذا قال الحق سبحانه: (وإنْ) ولم يستخدم (إذا) مثلاً؟

إن عاقبتم: كأن المعنى: كان يحب ألاَّ تعاقبوا.

أما (إذا) فتفيد التحقيق والتأكيد، والحق سبحانه يريد أنْ يُحنِّن القلوب، ويضع ردَّ العقوبة بمثلها في أضيق نطاق، فهذه رحمة حتى من الأعداء، هذه الرحمة تُحبِّبهم في الإسلام، وتدعوهم إليه، وبها يتحوَّل هؤلاء الأعداء إلى جنود في صفوف الدعوة إلى الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>