وهذا يهدم، إذن: لا بد أنْ تُنظم حركة الحياة تنظيماً يجعل المواهب في الكون تتساند ولا تتعاند، وتتعاضد ولا تتعارض.
ولا يضمن لنا هذا التنظيم إلا منهج من السماء ينزل بالتي هي أقوم، وأحكم، وأعدل، كما قال تعالى في آية أخرى:{الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان}[الشورى: ١٧]
وإنْ كان الحق سبحانه وتعالى قد دعانا إلى النظر في ظواهر الكون، والتدبُّر في آيات الله في كونه، والبحث فيها لنصل إلى أسرار ما غُيّب عنا، فإنه سبحانه نهانا أن نفعل هذا مع بعضنا البعض، فقد حرَّم علينا التجسُّس وتتبُّع العورات، والبحث في أسرار الآخرين وغَيْبهم.
وفي هذا الأدب الإلهي رحمة بالخلق جميعاً؛ لأن الله تعالى يريد أن يُثري حياة الناس في الكون، وهَبْ أن إنساناً له حسنات كثيرة، وعنده مواهب متعددة، ولكن له سيئة واحدة لا يستطيع التخلّي عنها، فلو تتبعتَ هذه السيئة الواحد فربما أزهدتْك في كل حسناته، حرمتْك الانتفاع به، والاستفادة من مواهبه، أما لو تغاضيت عن هذه السيئة فيه لأمكنك الانتفاع به.
وهَبْ أن صانعاً بارعاً في صنعته وقد احتجْتَه ليؤديَ لك عملاً، فإذا عرفت عنه ارتكاب معصية ما، أو اشتهر عنه سيئة ما لأزهدك هذا في صَنْعته ومهارته، ولرغبت عنه إلى غيره، وإنْ كان أقلّ منه مهارة.
وهذا قانون عام للحق سبحانه وتعالى، فالذي نهاك عن تتبُّع