لذلك، فالكفار الذين عبدوا الأصنام والذين أتوا بها حجارةً من الصحراء، وأعملوا فيها المعاول والأدوات لينحتوها، وتكسرت منهم فعالجوها، ووقعت فأقاموها، وهم يرون كم هي مهينة بين أيديهم لدرجة أن أحدهم رأى الثعلب يبول برأس أحد الأصنام فقال مستنكراً حماقة هؤلاء الذين يعبدونها:
فإذا ما تورطوا في السؤال عن آلهتهم هذه قالوا: إنها لا تضر ولا تنفع، وما نعبدها إلا ليقربونا إلى الله زُلْفى، كيف والعبادة طاعة أمر واجتناب نهي. فبأيّ شيء أمرتكم الأصنام؟ وعن أيّ شيء نهتْكُمْ؟! إذن: كلامُكم كذاب في كذب.
وفي قوله تعالى:{أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ. .}[الإسراء: ٢٣]
أسلوب يسمونه أسلوب قَصْر، يفيد قصر العبادة وإثباتها لله وحده، بحيث لا يشاركه فيها أحد. فلو قالت الآية: وقضى ربك أن تعبدوه. . فلقائل أن يقول: ونعبد غيره لأن باب العطف هنا مفتوح لم يُغْلَق، كما لو قُلْت: ضربتُ فلاناً وفلاناً وفلاناً. . هكذا باستخدام العطف. إنما لو قلت، ما ضربن إلا فلاناً فقد أغلقت باب العطف.
إذن: جاء التعبير بأسلوب القصر ليقول: اقصروا العبادة عليه سبحانه، وانفوها عن غيره.
ثم ينقلنا الحق سبحانه إلى التكليف والأمر الثاني بعد عبادته:{وبالوالدين إِحْسَاناً. .}[الإسراء: ٢٣]
وقد قرن الله تعالى بين عبادته وبين الإحسان إلى الوالدين في