ويُرْوَى أن خليل الله إبراهيم عليه السلام جاءه ضيف بلبل، وأراد أن ينزل في ضيافته، فسأله إبراهيم عليه السلام عن دينه فقال: مجوسي فأعرض عنه وتركه يذهب. فََسرْعان ما أوحى الحق سبحانه إلى إبراهيم مُعاتباً إياه في أمر هذا الضيف: يا إبراهيم لقد وَسعْتُه في مكي أعواماً عديدة، أطعمه وأسقيه وأكسوه وهو كافر بي، وأنت تُعرض عنه وتريد أنْ تُغيّر دينه من أجل ليلة يبيتها عندك، فأسرع الخليل خلف الضيف حتى لحق به، وحكى له ما حدث، فقال الرجل. نِعْم الرب ربٌّ يعاتب أحبابه في أعدائه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأنَ إبراهيم رسول الله.
وقد رأى المستشرقون لضيق أُفُقهم وقلّة فقْههم لأسلوب القرآن الكريم، رَأَوْا تناقضاً بين قوله تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً. .}[لقمان: ١٥]
وبين قوله تعالى:{لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: ٢٢]
فكيف يأمر القرآن بمصاحبة الوالدين وتقديم المعروف لهما، في حين ينهي عن مودّة مَنْ حَادّ الله ورسوله؟
ولو فَهِم هؤلاء مُعْطيات الأسلوب العربي الذي جاء به القرآن لعلموا أن المعروف غير الودّ؛ لأن المعروف يصنعه الإنسان مع من يحب، ومع من يكره، مع المؤمن ومع الكافر، تُطعمه إذا جاع، وتسقيه إذا عطش، وتستره إنْ كان عرياناً، أما المودة فلا تكون إلا لمَنْ تحب؛ لأنها عمل قلبيّ.