وكثيراً ما يُعطينا الشرع الحكيم أمثلة ونماذج للرأفة والرحمة في الطيور، ويجعلها قدوة لنا بني البشر. والذي يرى الطائر يحتضن صغاره تحت جناحه، ويزقّهم الغذاء يرى عجباً، فالصغار لا يقدرون على مضغ الطعام وتكسيره، وليس لديهم اللعاب الذي يساعدهم على أنْ يزدردوا الطعام فيقوم الوالدان بهذه المهمة ثم يناولانهم غذاءهم جاهزاً يسهل بَلْعه، وإنْ تيسر لك رؤية هذا المنظر فسوف ترى الطائر وفراخه يتراصون فرحة وسعادة.
إذن: قوله تعالى: {جَنَاحَ الذل. .}[الإسراء: ٢٤]
كناية عن الخضوع والتواضع، والذُّل قد يأتي بمعنى القهر والغلبة، وقد يأتي بمعنى العطف والرحمة، يقول تعالى:{ياأيها الذين آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين. .}[المائدة: ٥٤]
فلو كان الذلّة هنا بمعنى القهر لقال: أذلة للمؤمنين، ولكن المعنى: عطوفين على المؤمنين. وفي المقابل {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين. .}[المائدة: ٥٤]
أي: أقوياء عليهم قاهرين لهم.
وفي آية أخرى يقول تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ. .}[الفتح: ٢٩]
لأن الخالق سبحانه لم يخلق الإنسان رحيماً على الإطلاق