للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجرأته، لكنه أتى من صاحب القلب الرحيم الصِّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ليعرف الجميع أن الأمر ليسد للشدة لذاتها، ولكن للحفاظ على الدين والدفاع عنه.

وكأن الموقف هو الذي صنع أبا بكر، وتطلب منه هذه الشدة التي تغلبت على طابع اللين السائد في أخلاقه.

فيقول تعالى: {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة. .} [الإسراء: ٢٤]

إذن: الذلَّة هنا ذِلَّة تواضع ورحمة بالوالدين، ولكن رحمتك أنت لا تكفي، فعليك أن تطلب لهما الرحمة الكبرى من الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً. .} [الإسراء: ٢٤]

لأن رحمتك بهما لا تَفيِ بما قدّموه لك، ولا ترد لهما الجميل، وليس البادئ كالمكافئ، فهم أحسنوا إليك بداية وأنت أحسنتَ إليهما ردّاً؛ لذلك ادْعُ الله أنْ يرحمهما، وأنْ يتكفل سبحانه عنك برد الجميل، وأن يرحمهما رحمة تكافئ إحسانهما إليك.

وقوله تعالى: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً. .} [الإسراء: ٢٤]

كما: قد تفيد التشبيه، فيكون المعنى: ارحمهما رحمة مثل رحمتهما بي حين ربياني صغيراً. أو تفيد التعليل: أي ارحمهما لأنهما ربياني صغيراً، كما قال تعالى: {واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ. .} [البقرة: ١٩٨]

و {رَبَّيَانِي} هذه الكلمة أدخلت كل مُربٍّ للإنسان في هذا الحكم، وإنْ لم يكُنْ من الوالدين، لأن الولد قد يُربّيه غير والديه لأيِّ ظرف من الظروف، والحكم يدور مع العلة وجوداً وعَدماً، فإنْ ربّاك

<<  <  ج: ص:  >  >>