وكما تحدث برشمة الدواء الحسيِّ المر، كذلك يحدث في العلاجات الأدبية المعنوية، فيُغلِّف الناصح نصيحته ليقبلها المتلقي ويتأثر بها؛ لذلك قالوا: النصح ثقيل، فاستعيروا له خِفَّة البيان.
وقالوا: الحقائق مُرّة، فلا ترسلوها جبلاً، ولا تجعلوها جدلاً.
وعلى الناصح أن يراعي حال المنصوح، وأنْ يرفقَ به، فلا يجمع عليه قسوة الحرمان مما أَلِف مع قسوة النصيحة. وقد وضع لنا الحق سبحانه المنهج الدعوي الذي يجب أن نسير عليه في قوله تعالى:{ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة. .}[النحل: ١٢٥]
ومن أدب النصيحة أيضاً الذي تعلَّمناه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن تكون سِرَّاً، فليس من مصلحة أحد أنْ تُذاعَ الأسرار؛ لأن لها أثراً سلبياً في حياة المجتمع كله وفي المنصوح نفسه، فإنْ سترْتَ عليه في نصيحتك له كان أدعى إلى قبوله لما تقوله، وقديماً قالوا: مَنْ نصح أخاه سراً فقد ستره وَزَانَه، ومَنْ نصحه جَهْراً فقد فضحه وشَانَهُ.
ثم يقول تعالى:{وَسَآءَ سَبِيلاً}[الإسراء: ٣٢]
والسبيل هو الطريق الموصل لغاية، وغاية الحياة أننا مُسْتخلفون في الأرض، خلقنا الله لعمارتها والسعي فيها بما يُسعدنا جميعاً، ويعود علينا بالخير والصلاح، فإذا ضَلَّ الإنسانُ وانحرف عَمّا رسمه له ربه أفسد هذه الخلافة، وأشقى الدنيا كلها بدل أنْ يُسعدها.
وأعتقد أن ما نشاهده الآن في بيئات الانحلال والانحراف،