يجب على العلماء أنْ ينقلوها من خاطر الدلالة إلى خاطر المقالة أيضاً، ولكنها مقالة، ولكنها مقالة بلغة يفهمها أصحابها إذا شاء الله لهم ذلك.
ثم يُذيّل الحق سبحانه هذه الآية بقوله:{إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً. .}[الإسراء: ٤٤]
لأن الإنسانَ كثيراً ما يغفل الاستدلال بظواهر الكون وآياته دلالة الحال، فيقف على قدرة الله وبديع صُنْعه، وكذلك كثيراً ما يغفل عن تسبيح الله تسبيح المقالة؛ لذلك أخبر سبحانه أنه حليمٌ لا يعاجل الغافلين بالعقوبة، وغفور لمن تاب وأناب.
وهذا من رحمته سبحانه بعباده، فلولا أنْ يتداركَ الله العباد بهذه الرحمة لكان الإنسان سيد الكون أقلّ حظاً من الحيوان، ويكفي أن تتدبر قوله تعالى عن تسبيح المخلوقات له سبحانه:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب. .}[الحج: ١٨]
فها هي جميع الأجناس من جماد ونبات وحيوان تسجد لله لا يتخلف منها شيء، فهي تسجد وتُسبّح بالإجماع، ولم ينقسم الأمر إلا في الإنسان السيّد المكرّم، ولكن لماذا الإنسان بالذات هو الذي يشذُّ عن منظومة التسبيح في الكون؟
نقول: لأنه المخلوق الوحيد الذي مَيَّزَهُ الله بالاختيار، وجعل له الحرية في أنْ يفعل أو لا يفعل، أما باقي المخلوقات فهي مُسخّرة مقهورة، فإن قال قائل: لماذا لم يجعل الحق سبحانه وتعالى