لقد جعل الله تعالى في الإنسان الاختيار لحكمة عالية، فالقهر يُثبتُ للحق سبحانه صفة القدرة على مخلوقه، فإذا قهره على شيء لا يشذ ولا يتخَلف، ولكنه لا يثبت صفة المحبوبية لله تعالى.
أما الاختيار فيثبت المحبوبية لله؛ لأنه خلقك مختاراً تؤمن أو تكفر، ومع ذلك اخترْتَ الإيمان حُباً في الله تعالى، وطاعة وخضوعاً، فأثبتَّ بذلك صفة المحبوبية.
وإياك أن تظن أن مَنْ يَعْصي الله يعصيه قهراً عن الله، بل بما ركَّب فيه من الاختيار، وقد يقول قائل: وما ذنب الإنسان أن يكون مختاراً من بين جميع المخلوقات؟
لو حققتَ هذه القضية منطقياً وفلسفياً لوجدتَ الكون كله كان مختاراً، وليس الإنسان فقط، لكن اختارت جميع المخلوقات أنْ تُسلِّم الأمر لله، وفضَّلتْ أن تكون مقهورة مسخرة من البداية، أما الإنسان ففضَّل الاختيار، وقال: سأعمل بحرص، وسأحمل الأمانة بإخلاص، وهذا واضح في قول الحق تبارك وتعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}
[الأحزاب: ٧٢]
وفي رَفْض هذه المخلوقات لتحمُّل الأمانة والاختيار دليل على العلم الواسع؛ لأنه يوجد فَرْق كبير بين قبول الأمانة وقت التحمُّل ووقت الأداء. فقد تتحمل الأمانة وأنت واثق من أدائها، لكن يطرأ عليك وقت الأداء مَا يحول بينك وبين أداء الأمانة.