أَلاَ ترى أن المجنون كذلك يقول ويفعل ما يريد، ثم يمتاز عنك أن لا يسأل في الدنيا ولا في الآخرة؟ أليست هذه كافية لتُعوِّضه عن فقد العقل؟ فلا تنظر إلى ما سلب منه، ولكن إلى ما أعطاه من مَيْزات في الدنيا والآخرة.
أي: لم يستطيعوا أنْ يأتُوا بمثَلٍ يكون صَاداً وصارفاً لمن يؤمن بك أنْ يؤمن، فقالوا: مجنون وكذبوا. وقالوا: ساحر وكذبوا وقالوا: شاعر وكذبوا. وقالوا: كاهن وكذبوا. فَسُدّتْ الطرق في وجوههم، ولم يجدوا مَنْفَذاً لِصَدِّ الناس عن رسول الله.
فلما عجزوا عن إيجاد وَصْف يصدُّ مَنْ يريد الإيمان برسول الله، قالوا:{اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال: ٣٢]
ومنهم من قال:{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ}[الزخرف: ٣١]
فلم يستطيعوا إيجاد سبيل يُعَوقون به دعوتك، بدليل أنه رغم ضَعْف الدعوة في بدايتها، ورغم اضطهادهم لها تراها تزداد يوماً بعد يوم، وتتسع رُقْعة الإيمان، أما كَيْدهم وتدبيرهم فيتجمّد أو يقلّ.
كما في قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا. .}[الرعد: ٤١]