للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد تسامعوا بهذا الخَطْب العظيم والأمر الجسيم، فبادر الناس على الفور إلى الاجتماع حول القلعة من كل مكان أمكنهم المجيء منه، حتى من الغوطة والمرج، ولم يطبخ أهلُ الأسواق شيئًا، ولا فتحوا كثيرًا من الدكاكين التي من شأنها أن تفتح أوائل النّهار على العادة، وكان نائب السَّلطنة تَنْكز قد ذهب يتصيَّدُ في بعض الأمكنة، فحارت الدولة ماذا يصنعون، وجاء الصاحب شمس الدين غبريال نائبُ القلعة فعزّاه فيه، وجلس عنده، وفتح باب القلعة لمن يدخل من الخواص والأصحاب والأحباب، فاجتمع عند الشيخ في قاعته خلق من أخِصّاء أصحابه ومن رجال الدولة وغيرهم من أهل البلد والصّالحية، فجلسوا عنده يبكون ويئنُّون" (١).


(١) قال ابن كثير: "وكنت فيمن حضر هناك مع شيخنا الحافظ أبي الحجاج المِزّي رحمه الله، وكشفتُ عن وجه الشيخ ونظرت إليه وقبَّلته، وعلى رأسه عمامةٌ بعَذَبةٍ مغروزة وقد علاه الشَّيب أكثر مما فارقناه. وأخبر الحاضرين أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه قرأ هو والشيخ منذ دخل القلعة ثمانين خَتمة، وشرعا في الحادية والثَّمانين، فانتهينا فيها إلى آخر اقتربت الساعة: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: ٥٤ - ٥٥]. فشرع عند ذلك الشّيخان الصالحان الخيِّران عبد الله بن المحب وعبد الله الزُّرعي الضرير -وكان الشيخ رحمه الله يحب قراءتهما- فابتدآ من أول سورة الرحمن حتى ختموا القرآن وأنا حاضرٌ أسمعُ وأرى.
ثم شرعوا في غسل الشيخ وخرجتُ إلى مسجد هناك ولم يمكث عنده إلا من ساعد في غسله، منهم شيخنا الحافظ المزي وجماعة من كبار الصّالحين الأخيار، أهل العلم والإيمان".

<<  <  ج: ص:  >  >>