للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الوَقْت قراءة سُبْع كامل في كل يوم، وكان يَجْعل خَتْمهُ يوم الجمعة دائمًا، ويَجْمعنا حوله ويهديها إليه، دامَ على ذلك قريبًا من ثمان سنين إلى أن تُوفِّي.

وتأخر عنده أربعون درهمًا كانت مختصّة به، فقال: "اقسموها نِصْفين بين المَسْجونين بسجن باب الصَّغير والجَذْمي"، ففُعِلَ ذلك يوم موته.

ولما اشتدّ به ألم الموت أكثرَ من ذِكْر الله تعالى والاستغاثة به ليخفّف عنه. وقال لنا: ادعوا لي بالتَّخْفيف، فتَضرَّعْنا واستغثنا، فسكنَ قليلًا، ثم قال لوالده: "اقرأ سورة يس". فشرعنا في القراءة، وهو يَقْرأ معنا بمشقّة عَظِيمة، فختمناها، ثم قرأنا "الواقعة". فلما فرغنا قال: "أنا أموتُ السّاعة، فأحضِروا المُغَسِّل". فقال له والده: "إنه ما يحضر معنا إلّا بعد المَوْت". فقال: "أنا والله ميّتٌ في هذه السّاعة، فأسرِعُوا في إحضار المُغَسِّل والحوائج". فأذَّنَ العَصْر، فأجابَ المؤذِّن، فقال له أبوه: "مَن أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ اللهُ لقاءه". فقال: "إنّي والله أحبّ لقاءَ الله". ثم قال: "أنا أرُوح إلى دار السَّعادة"، وكَرَّرها، ثم قال: "هذه دار الشقاء تُتْعِب وتقتل". فقال والده: "يا بُنيّ، ونحن نشتهي أن نكون من أهل دار السَّعادة". فقال: "آمين آمين".

وكان يوم موته من أول النَّهار إلى حين قُبِضَ عَقِيب صلاة العصر مشتغلًا بقول: "الله يا الله"، فلما ارتخَت عيناه وتبيَّن الموتُ عليه، قلت له: "يا أخي اذكُر الله"، فقال: "ففي أيّ شيء نحنُ من أول النَّهار إلى السّاعة؟ "، ثم حَرّك شَفَتيه ووضعَ يده تحت حنكِه ورفعَهُ وغَمَّض عينيه بنَفْسه، وماتَ رحمه الله. فقامَ أبوه وصَلَّى رَكْعتين وشكرَ الله تعالى على حُسْن الخاتمة له، وسألَهُ حُسْن الخاتمة لنفسه.

وكان مَولدُه في رابع شَهْر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وستِّ مئة.

وسَمِعَ الحديثَ في سنة ست وسبعين. وفي سنة سبع وسبعين سَمِعَ "صحيح مُسلم" على الأمين الإرْبليّ، وغيرِه، وسَمِعَ من الشَّيخ شَمْس الدِّين

<<  <  ج: ص:  >  >>