للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكَسَّرَت البيوتَ، ولم يُعْدَم له شيءٌ من الأموال والأنفُس، ثم تَعَدَّت الرِّيحُ إلى بيوت الحاج طَرَالي بن ألْبكي، فكوّنت عَمُودًا أغبر مُتَّصلًا بالسَّحاب صورة تِنّين، وبَقِيت على بيوته ساعةً زمانية تَرُوح عنه يمينًا وشمالًا، ثم تَعُود إلى البيوت، فما تركَتْ له شيئًا لا من البُيوت ولا من الأثاث. ولما عاين ذلك طرالي المَذْكور قال: يا ربّ قد أخذتَ جميعَ الرِّزق وتركتَ العائلة بلا رِزْق، أيش تركتَ لهم حتى أُطعمهم؟ فعادت الرِّيح ودارت على بيوته صُورة تنّين فأهلكتهُ وأهلكت زوجتَهُ وابنته وابني ابنته وجاريته، وجماعةً عددهم أحدَ عَشَر نَفَرًا، وتجرّح ثلاثة أنفُس من ملاقاة الأخشاب والحِجارة عند تواتر الرِّياح، وخَطَفَت الرِّيحُ جَمَلين لطرالي وارتفعت الرِّيحُ بهما في الجوّ مقدار عَشَرة أرماح، وتَقَطَّع القِماش والأثاث وتفرَّق في الجوّ وغابَ عن العُيون، وطَوَت الرِّيحُ قُدور النُّحاس والصّاجات وصارَت قِطَعًا بعضها على بعض، وحَمَلت الرِّيحُ جاريةَ طرالي المَذْكور من مكانٍ إلى مكانٍ بعيد مسافته قدر سبقين نشّاب، وإلى جانب الزَّوْق عربٌ خَطَفت الرِّيحُ منهم أربعة أجمال وارتفعت بهم في الجوّ، ووقعوا قِطَعًا، وهلكَ معهم دوابّ كثيرة. ثم وقعَ بعد ذلك مَطَر وبَرَد قِطَع كبار، تقديرُ القطعة ثلاث أواق ودونها على هيئة أشطاف الحِجارة، منها مثلّث ومُرَبّع، وهلكَ من الزَّرْع والغلّات شيء كثير. وعِدّة القُرى اللاتي أصابَها ذلك أربعة وعِشْرون، منها قُرَى لا تردّ البذار، ومنها ما يردّ النِّصف والثُّلُث ونحو ذلك. وهذه القرى بالسّاحل.

ورُسِم للأمير شهاب الدِّين نائبِ السَّلْطنة بطرابلس بالكَشْف عن ذلك، ونُدِبَ من مَجْلس الحُكْم بطرابُلُس من يشاهد ذلك من العُدُول. وكُتِبَ بذلك محضرٌ وثُبِّت عند قاضِي طرابُلُس ووضعَ خطَّهُ عليه (١).


(١) الخبر في: نهاية الأرب ٣٢/ ٢٨٦ - ٢٨٧، وذيل العبر، ص ٩٦، والبداية والنهاية ١٦/ ١٣٢، والسلوك ٣/ ٤، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>