للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ الشَّرفَ إنَّما كان له صلّى الله عليه وسلّم ومنْ أَجْلِهِ، فهو أَحَقُّ بالزيارةِ، وشدِّ الرحالِ إليها (١).

ويمكنُ أن يقالَ: إن المسجدَ الحرامَ يصحُّ إطلاقُه على الحرمِ كلِّهِ، وعلى مكةَ كلِّهَا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ} (٢). المرادُ به جميعُ الحرمِ اتفاقاً (٣)، وقال عزّ وجلَّ: {والمسْجِدِ الحَرَامِ الذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاسِ سَوَاءً} (٤). ومعنى الحرمِ أخصُّ من معنى المسجِدِ، فيفهمُ من هذا الحديث مشروعيةُ شدِّ الرَّحْلِ إلى الحرمِ كلِّهِ، وإلى كل جزءٍ منه، وحرمُ المدينةِ كحرمِ مكةَ، بدليل الأحاديث الآتيةِ إن شاء الله تعالى في ترجمة الحرمِ، من أسماء المدينة، وكلُّ محلٍّ من الحرمينِ محرَّمٌ، معظَّمٌ، مبجَّلٌ، مكرَّمٌ، مشرَّفٌ، مفخَّمٌ، مخصوصٌ بالتبجيلِ والإقبالِ، والتعظيمِ والإجلالِ، والتوجُّهِ إليه بِشَدِّ الرحالِ، فكيف إذا ثَوَى في العظيم عظيمٌ؟ أو أَوَى إلى الكريمِ كريمٌ؟، فإن هناكَ تتضاعفُ البواعثُ، وتتوفرُ الدواعي، وتتأكدُ الوسائلُ، وتتعاظمُ الرغباتُ والمقاصدُ؛ لشيئينِ: شرفِ السكنِ، وشرفِ الساكنِ، وقدْ لا


(١) ليس في هذا النص أية دلالة على المشروعية لابمنطوقه ولابمفهومه فضلاً عن القول بوجوبه بل ثبت النهي الصريح عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة، فشد الرحال إنما هو للمسجد لاللقبر، وإذا أكرم الله المؤمن بالسفر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعد وصوله يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما.
(٢) سورة التوبة آية رقم: ٢٨.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/ ١٠٤، حيث عزاه لعطاء ولم يذكر مخالفاً لقوله.
(٤) سورة الحج آية رقم: ٢٥.