للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يكونُ إلا بالساكنينَ شرفُ الأماكنِ، كيفَ وقدْ حكى عياض أن البقعةَ المحتويةَ على الجسدِ المُقدَّسِ أفضلُ بقاعِ الأرضِ على الإطلاق، ونقلَ في ذلك عن العلماء الإجماعَ و الاتفاقَ (١)، فثبتَ حينئذٍ مشروعيةُ التوجُّهِ والإقبالِ،

بشدِّ الرحالِ، إلى جنابهِ الذي خصَّهُ اللهُ تعالى بأجلِّ أقسامِ الإجلالِ،/٢١ وارتفعتْ عن المسألة حجة الإشكالِ.

وأيضاً: لا خلافَ في أنَّ مَنْ قصدَ مُعظَّماً في الحرمِ كتقبيلِ الحجرِ الأسود، أو الطوافِ بالكعبةِ، أو الشُّربِ من زمزمَ، ونحوهِ، بقطعِ المسافاتِ، وطَيِّ المَهَامِه (٢) لكانَ ذلكَ مشروعاً مندوباً، وإذا ثبتَ أنَّ قصدَ الكعبة بطيِّ المراحل، ووطءِ الرواحلِ، مشروعٌ بلا خلافِ، فمن باب الأجدرِ الأحرى، أنْ يكون قصدُ زيارةِ سيدِ المرسلين بنحو ذلكَ مشروعاً.

وقد رُوِّينا من عند الترمذي، من حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّهُ نظرَ يوماً إلى الكعبة، فقال: ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرْمَتَكِ، والمؤمنُ أعظمُ حرمةً عندَ الله تعالى منكِ (٣).

هذا حالُ عامةِ المؤمنين، فكيف بالأنبياء والمرسلين؟ بل كيف بأشرفِ النبيين وإِمَامِ المتقين؟.

الرابع: ما رُوِّيناه من عند مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، يرفعه:


(١) الشفا ٢/ ٦٨٢، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" وأما التربة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعلم أحداً من الناس قال إنها أفضل من المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى، إلا القاضي عياض فذكر ذلك إجماعاً وهو قول لم يسبقه إليه أحد فيما علمناه ولاحجة عليه بل بدن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المساجد". المجموع لفتاوى شيخ الإسلام ٢٧/ ٣٧.
(٢) المهامه: جمع مَهْمَهٍ ومَهْمَهَةٍ، وهي: المفازة البعيدة. القاموس (مهه) ص ١٢٥٣.
(٣) أخرجه الترمذي في آخر حديث طويل، في البر والصلة، باب ماجاء في تعظيم المؤمن، رقم:٢٠٣٢،٤/ ٣٧٨. وقال: هذا حديث حسن.