وصيغة قوله «فليتوجهوا»: ظاهرةُ الدلالة على الوجوب، ثم قوله «فقد جفاه»: ظاهرة في حرمة ترك الزيارة؛ لأن الجفاء أذى، والأذى حرام بالإجماع، فتجب الزيارة؛ إذ إزالة الجفاء واجبة، وهي بالزيارة، فالزيارة واجبة.
ثم قال بعد ذلك: وينبغي للزائر أنْ ينويَ مع التقربِ بزيارتهِ صلّى الله عليه وسلّم التقربَ بالمسافرة إلى مسجدهِ وبالصلاة. ثم ذكر الأحاديثَ الدالَّةَ على فضل المسجد والصلاة فيه.
فانظر كيف جعل الخبر المُحقَّقَ أمرَ قَصْدِ المسجد تابعاً للزيارة بلفظ المعيَّة، الدالة على التبعيَّة.
ثم قال: ولا يلزمه خلل في زيارته، يعني: في ضم قصد المسجد إلى الزيارة.
ففهم بذلك أنَّ القَصْدَ الحقيقيَّ والأمرَ المقصودَ الأهمَّ الآكدَ؛ إنما هو الزيارة النبوية، وهي المبدوءُ بذكرها، فلا يتوهم متوهم أن الزيارة تابعة، فيكون ذلك سوء أدب مع الجناب الشريف، الذي لو سعى المؤمن المشتاق بالجفون والآماق، من أقصى الأقطار والآفاق، لكان ذلك في جنب ما ظفر به من السعادة يسيراً، وبالنسبة إلى ما وصل إليه من العِزِّ الأهنى قليلاً حقيراً.
وقد حذا حَذْوَه وسلك مسلَكه الشيخُ أبو زكريا (١) رحمه الله، فلينظر في كلامه، فإنه لم يَفُتْه شيءٌ من مرامه.
ومَنْ قصد استيضاحَ مذهبِ الإمامِ المُقدَّم أبي حنيفة وأصحابه رحمة الله عليهم، وتنوعِ عبارتهم، في مشروعية قصد الزيارة واستحبابه، فَلْيَطْرِفْ طَرْفَه
(١) كتاب الأذكار ٢٦١، كتاب الإيضاح في مناسك الحج ٤٨٨.