للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

/٥٣٥ يبقى ما في الكعبةِ من المال على ما هو عليه، لا يُحرِّكه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن قلت: ما مُستنَدُ عمر رضي الله عنه فيما هَمَّ به؟

قلت: هو إمام هُدَىً، ومَنْ تَقَدَّمَهُ أعظمُ منهُ، ولا يلزمنا النظر في سبب هَمِّهِ وقد رَجَعَ عنه بِمُجرد ما سَمِعَ.

قال ابن بطاَّل (١): أراد عمر رضي الله عنه أن يصرفه في منافع المسلمين نظراً لهم، فلما أخبره شيبةُ صَوَّبَ فِعلهمَا، وإنَّما تَرَكَاهُ لأنَّ ما جُعِلَ للكعبةِ وسُبِّلَ لها يَجري مَجرى الأوقافِ، ولا يَجوزُ تغييرُ الأوقافِ، وفي ذلك أيضاً تعظيم الإسلام وحُرُمَاتِهِ وترهيبُ العَدُوِّ.

وقال أيضاً: رأى عُمَر رضي الله عنه أن ما فيها من الذهبِ والفضةِ لا يُحْتَاجُ إليه لكثرتهِ.

وقال مرةً: أراد أن يَقْسِمَ المالَ الذي تَجَمَّعَ، وفَضُلَ عن نفقتها ومُؤْنَتِها ويضعه في مصالحِ المسلمين، فلما ذَكَّرَهُ شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه بعده لم يَتَعَرَّضَا له لم يَسَعْهُ خِلافهما، ورأى أن الاقتداءَ بِهمَا واجبٌ.

فربَّما تَهَدَّمَ البيت أو خَلَقَ (٢) بعض آلاته، فَصَرَفَ ذلك المال فيه، ولو صَرَفَ ذلك في منافعَ، لكان كأنه قد أُخْرِجَ عن وجهِهِ الذي سُبِّلَ فيه.

ثم قال: فإن قلت: قد ذكر الفقهاء وجهين في صحة الهِبَةِ للمسجدِ، وأنه


(١) محمد بن أحمد بن محمد بن بطَّال الرَّكْبِي الشافعي اليمني، جاور في مكة ١٤ سنة، فقيه، شاعر، نَحوي، له مصنفات منها: النظم المستعذب في شرح غريب المهذب و أربعون حديثاً في أذكار المساء والصباح. توفي في بلده سنة ٦٣٣ أو ٦٣٠ هـ. بغية الوعاة ١/ ٤٣، كشف الظنون ٢/ ١٩١٣، الأعلام ٥/ ٣٢٠.
(٢) خَلَقَ: بفتح اللام وكسرها وضمها: بَلِيَ. القاموس (خلق) ص ٨٨١.