ثم استَشْكل كلامَ الرافعي فقال: أما التسويةُ بين الكعبةِ والمساجدِ فلا تنبغي، لأن للكعبة من التعظيمِ ما ليس للمساجد، ألا ترى أن سَتْرَهَا بالحريرِ مُجْمَعٌ عليه، وفي سترِ المساجدِ خلافٌ، فحينئذٍ الخلافُ في الكعبةِ مُشْكِلٌ، وترجيحُ المنعِ فيها أشكل، وهذا الكلام لا يَخفى على الفقيه ضَعْفُهُ.
ووجه الإشكال والإشكالية غير ظاهر، وفي التمسكِ بِجوازِ سَترِ الكعبةِ بالحريرِ تكلفٌ ظاهرٌ وتعسُّفٌ بَيِّنٌ، والحريرُ إنَّمَا جَوَّزُوهُ للإجماعِ وفِعْلِ السلفِ، ولم يُنقل تَحليته بالذهب عنهم.
وما وقع في أيام الوليد من تذهيبِ سقوفِ مسجدِ النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلحُ دليلاً ولا استئناساً، فإن الوليدَ كان له غرضٌ في ذلك، ولأجل ذلك لم يراجعه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، على أن المقدار الذي وقع هنالك لم يكن إلا تمويهاً غير مَحظور دون تَحليةٍ بصفائحَ أو تعليقٍ لقناديل.
ثم قال: قد وليَ عمرُ بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة، وأراد أن يُزيلَ ما في جامع بني أمية من الذهب، فقيل له: إنه لا يتحصل منه شيء كثير. فلو كان فعلها حراماً لأزالها في خلافته، لأنه إمام هُدَىً، فلما سَكَتَ عنها وتركها وَجَبَ القطعُ بِجوازها. انتهى، وفيه أمران:
أحدهما: أن أمر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بِحَكِّ المموهِ دليلٌ على عَدمِ جوازِ تَحليةِ المساجدِ بالذهبِ قليلهِ وكثيرهِ، والأمر في الصفائح والقناديل أَطَمُّ وأعظم (١).
الثاني: أن في أيامِ عمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يثبتْ أنه كانت على الكعبةِ صفائح الذهب والفضة ولا قناديل منهما فيها، وإنَّما صارت بعده