للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ينتهي إليها، فلا يبعد جريان الخلاف فيه، والأرجح منه الجواز كما قاله القاضي حسين، ولا أقول إنه ينتهي إلى حَدِّ القُرْبَةِ، ولهذا استقرَ الناس على خلافه في الأكثر.

قال: وأما تعليل الرافعي بأن ذلك لم ينقل عن فعل السلف فعجيب، لأن هذه العلة لا تقتضي التحريم، وقُصَاراها (١) أن تقتضي أنه ليس بسُنَّة أو مكروه/٥٣٨ كراهة تَنْزيه، أما التحريم فلا، وليس لنا أن نَجزم بِمِثْلِ ذلك حتى يَرِدَ نَهْيٌّ من الشارعِ. انتهى كلامه؛ وفيه أمور:

أحدها: أن قول الشيخ: (تعليل الرافعي عجيب) أعجبُ وأعجبُ! إذ الرافعي لم يَجعل ذلك بِمُفردِهِ عِلَّةً، بل مضموماً إلى ما وَرَدَ عن السلف من إلبَاسِ الكعبةِ الحريرَ مع وُرُودِ النَّهيِ عن استعماله واستعمالِ الذهبِ أيضاً.

كذلك ورد النهي عن استعماله، ولم يستعمله السلف في الكعبة مع عنايتهم بشأنها وتعظيمها وتبجيلها فهذا المجموع يدل على المنع، إذ لو كان كذلك مُسَاغَاً لفعلوه كما فعلوا في الحرير.

الثاني: قوله: (حتى يَرِدَ نَهْيٌّ عن الشارع)، وكم من نَهْيٍ ورد عن الشارع في ذلك ‍‍‍! كما ذكر هو بعضه بعد ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَرِبَ في إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ فَإنَّما يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَاراً مِنْ جَهَنَّمَ» (٢)، وفي لفظ: «أو في إنَاءٍ فِيهِ شَيءٌ مِنْهَا» (٣).

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لاتَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تَأكُلُوا في صِحَافهَا،


(١) قُصاراها: غايتها. القاموس (قصر) ص ٤٦٣.
(٢) أخرجه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً في اللباس والزينة، باب تَحريم استعمال أواني الذهب والفضة، رقم:٢٠٦٥،٣/ ١٦٣٥.
(٣) الدارقطني ١/ ٤٠. وفيه: «أو إناء فيه شيء من ذلك».