للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسجد الشريف، فأمر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بضرب عنقه (١)، وأمر يتعين فيه ضرب الرقاب كيف يُمَكِّنُ من فِعْلِهِ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، أو كيف يُجزم بأمره باستعمال الفضة المحرم، وارتكاب المنهي عنه في هذا الحرم المعظم؟! هذا ما لا يقبله ذو دين، ولا يُقْبِلُ عليه ذو لب متين.

ثم قال كالمعتذر: (وقال الفقهاء إنَّها إذا احتوى عليها حرام، ويقتضي اشتراطهم الاحتواء أن هذا الصنيع غير حرام، لكن العرفَ دَلَّ أن ذلك استعمال، فإما أن يكون الحديث ضعيفاً، وإما أن يكون احتمل ذلك لأجل المسجد تعظيماً له، فتكون القناديل بطريق الأولى إذ لا استعمال فيها) انتهى.

وقوله: (ويقتضي اشتراطهم الاحتواء أن هذا الصنيع غير حرام) غير جيد، ولا مقتض لما ذكره، بل مقتضٍ أنه قد توجد مَجْمَرَةٌ وفيها بَخُورٌ إما بفعل جاهل، أو صبي، أو ذمي، أو فاسق، ويَمُر عليها مارٌّ فيشتم منها بَخُوراً فإنه لا يأثم بذلك، وإن قصد الاشتمام.

وليس المراد بالاحتواء أن يَجعله تَحت ثيابه، أو يسبل عليه ذيله أو كمه كما يظنه جهلة المتفقهة، وإنَّما المراد بالاحتواء أن تَحوزه وتضمَّه إما بما ذكرنا، أو بالقعود بقربه بِحيث يُعَدُّ مُتَبَخَّراً به، أو بوضعه في منزله ليبخِّرَ به منزله؛ كل ذلك احتواء، هذا إذا ذهبنا مذهب من يشترط الاحتواء، وحينئذٍ حرام استعماله، وإذا ثبت ذلك فاستعماله من الكبائر في مذهب الشيخ، لأنه يقول بالذنوب والمعاصي كلها كبائر (٢).


(١) وذلك عندما أمر الوليد بن عبد الملك في خلافته بتوسيع المسجد النبوي، وكتب إلى ملك الروم: إنا نريد أن نعمر مسجد نبينا الأعظم، فأعِنَّا فيه بعمال وفسيفساء، فأرسل له عمالاً وأموالاً، فقام أحد العمال برسم صورة خنْزِير في جدار القبلة في صحن المسجد، فظهر عليه عمر بن عبد العزيز-وكان حينئذ والياً على المدينة-فأمر بضرب عنقه.
(٢) جاء في ترجمة ابنه -تاج الدين السُّبكي- له تَحت عنوان: (ذكر شيء مما انتحله مذهباً وارتضاه رأياً لنفسه) قوله: وأنه لا صغيرة في الذنوب، بل الكُّلُّ كبائرٌ، ولكن بعضها أكبر من بعض، وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق، ونسبه الشيخ الإمام إلى أبي الحسن الأشعري نفسه. طبقات الشافعية الكبرى ٩/ ٢٣٤.