للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسجد حاضراً، وإلى القُبَّة الشريفة إذا كان خارجاً ظاهراً (١)، وذلك لأن في إدمان النظر إلى البِنَى (٢) سراً، وفي إقبال العينين عليه لطيفة، وذلك أن العين بابُ القلب، وهي المُعبِّرةُ عن ضمائره، والكاشفةُ لأستاره، وهي أبلغ في ذلك من اللسان؛ لأن دلالتها حالية بغير اختيار صاحبها، ودلالة اللسان لفظية تابعة لقصده، فترى ناظر المحب يدور مع محبوبه كيف مادار، ويجول معه في النواحي والأقطار، ولقد أحسن القائل حيث قال:

أَذُودُ سَوامَ (٣) الطَّرْف عنكَ ومالَهُ … على أحدٍ إلا عليكَ طريقُ

بل المحبوب في عين المحب تمثاله، كما في قلبه شخصه ومثاله، فنَظَرُ المحب وَقْفٌ على محبوبه، وفَوْزُه بذلك غايةُ مطلوبه:

إن تحْجُبوها عن العيونِ فقد … حجبت عيني لها عن البشر

وقد أجاد الشاعر في مقاله:

ومِنْ عَجَبٍ أَنيِّ أحِنُّ إليهِمُ … وأسألُ عنهم مَنْ رآهُمْ وهُمْ معي

وتطلُبهم عيني وهم في سَوادِهَا … ويشتاقُهم قلبي وهم بين أَضْلُعِي

ومنها: أن لا يقع نَظَرُه إلى الحجرة الشريفة سُدَى، ولا يَطْرُقَ سَمْعَه شيءٌ من ذكر أحواله وأخباره المنيفة على غير هدى، بل يكون بحيث يغلب عليه سلطان المحبة في الحالتين، ويستولي على بشريته إذعانُ المهابة في الصورتين، ويَتحلَّى بِحِلَى (٤) المحبين من ارتياعهم (٥) عند النظر، ولا ينحلُّ عما يعتريهم من التغيُّرِ عند استماع الخبر، ولا سيما إذا كانت الرؤية فُجاءَةً،


(١) هذا مما لادليل عليه.
(٢) البِنَى: البناء. اللسان (بني) ١٤/ ٩٣.
(٣) الذَّوْدُ: الدَّفْعُ، وأسام إليه ببصره، رماه به. القاموس (ذود) ص ٢٨١ و (سوم) ص ١١٢٥.
(٤) الحِلْية: الصِّفَة، والجمع: حِلَى وحُلَى. القاموس مع التعليق عليه. (حلي) ص ١٢٧٦.
(٥) أي: توقُّفهم وتحيُّرهم. القاموس (ريع) ص ٧٢٤.