للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والاطِّلاعُ بغتة، كما قال الشاعر (١):

وما هو إلا أن أراها فُجَاءَةً … فأسقطَ حتى ما أكاد أجيبُ

فأرجعَ عن رَأْيِ الذي كان أولاً … وأذكرَ ما أعدَدْت حينَ تغيبُ

وكثير من المحبين اضطربوا عند سماع اسم المحبوب، وتَغيَّروا وبُهِتوا، وارتاعوا وتَحيَّروا، وقد رُوِّينا عن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أنهم إذا ذكر/٤٩ رسول الله صلى الله عليه وسلم اختطف لونهم، وارتعدت فرائصهم، وتغيرت أحوالهم (٢).

وفي نحو ذلك يقول القائل:

وداع دعا إذ نحن بالخَيْفِ من منى … فهيَّجَ أشجان الفؤاد وما يَدْرِي

دعا باسم ليلى غَيْرَها فكأنَّما … أطار بِلُبِّي طائراً كان في صَدْرِي (٣)

إذا دخل المدينة، فالأدب أن يبدأ بالزيارة والصلاةِ (٤) في المسجد قبل التعريج على أمرٍ من الأمور، أو شيءٍ هو إلى علاجه ومباشرته غيرُ مضطر ولا مضرور، وكلما مَرَّ في عمرانه، ونَظَرُه (٥) إلى أبنيته وجدرانه يستحضر بها تلك الربوع والجدران، وسط تلك الأماكن الكريمات، والمعالم العاليات، والبَنِيَّات السَنِيَّات، ويستحضر أنها ديارُ تلك الأخيار، وآثارُ تلك الأبرار، وأن الله عز وجل بفضله العميم، قد مَنَّ عليه بوصوله إليه، فَيُفِيضُ فرحاً شوائق العَبرات، ويزيد طرباً إذا نظر إلى تلك الغَبرات:

أيها المغرمُ المشُوقُ هنيئاً … ما أنالُوكَ من لذيذ التلاق


(١) الشاعر: جميل بن معْمر، وفي رواية أخرى: فأبهت حتى ما أكاد أراها.
(٢) ممن يروى عنه ذلك أمير المؤمنين عمر، وابنه عبد الله، وأنس بن مالك- رضي الله عنهم- وغيرهم. انظر: حياة الصحابة للكاندهلوي ٢/ ٢٧٩.
(٣) ديوان قيس ص ٣٣. وفي الأصل: (أطار بليلى) وهو تصحيف.
(٤) الأفضل البدء بالصلاة في المسجد قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.
(٥) أي: ومَرَّ نَظَرُه.