للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجابِرَةُ والمَجْبُورَةُ: سُمِّيَت جَابِرَةً مِنْ قَوْلِهم: جَبَر الجابِرُ العَظْمَ المكْسُورَ جَبْرًا وجُبُورًا وجِبَارَةً، وَجَبَّرَه تَجْبِيرًا فَجَبَر العَظْمُ (١) بِنَفْسِهِ جَبْرًا، أَصْلَحَهُ فانْجَبَرَ، واجْتبَرَهُ فَتَجَبَّرَ. وَمِنْ (٢) جَبَرَ الفَقِيرَ يَجْبُرُهُ جَبرًا؛ إذا أَحْسَنَ إِلَيْهِ أَوْ أغْنَاهُ بَعْدَ فَقْرٍ فاسْتَجْبَرَ واجْتبَرَ. أو مِن جَبَرَهُ على الأمْرِ: أَكْرَهَهُ وأَلْزَمَهُ إياهُ (٣)، كأنَّها سُمِّيَتْ جابِرَةً لأنَّها تَجْبُرُ الكَسِيرَ بإرسانها (٤) وبميزاتها، وتُغنِي الفَقِيرَ بإحْسَانِها ومَبَرَّاتِها، أو لأنَّها تُجْبِرُ المُهَاجِرَ إليها على مطالَعَةِ آياتِها، والاستضاءةِ مِنْ شَمْسِ السَّعَادَةِ باقْتِباسِ إياتِها (٥).

وأمَّا تَسْمِيَتُها بالمَجْبُورَةِ فلأَنَّ اللّه سُبْحانَهُ وتعالى جَبَرها بكَشْفِ عَمَاها ونَقْلِ حُمَّاها، وتطييب قاعها وبِقَاعِها، وَإِضْعافِ البرَكَةِ في مُدِّها وصَاعها، إلى غَيْرِ ذلِكَ مِمَّا جَبَرَ الله تعالى بِهِ انْكِسَارَهَا، ويَسَّرَ بِهِ اعْتِسَارَها.

وجَبَرها الله سُبْحانَهُ لَمَّا بَكَتْ وشَكَتْ إلى مَوْلاها، وانجزعت لِمْوتِ خَيْرِ الخَلْقِ واضْطَرَبَتْ لِبَلْوَاها، فأجابَها اللّه تعالى وَأَشْكاها، وجَبَرَها بِدَفْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - فيها وَأَزالَ شَكْوَاها، وضَمَّتْ تُرْبَتُها جَسَدَهُ الكَرِيمَ، واشَتَمَلَتْ بُقْعَتُهَا على أَعْظُمِ هذا النَّبِيِّ العظيم - صلى الله عليه وسلم -، فَتَاهَتْ بِذَلِكَ طَرَبًا وعَجَبًا، وسَحَبَتْ ذيل الافْتِخارِ على جِمِيعِ الآفاقِ والأقْطَارِ شَرْقًا وغَرْبًا، فَهِي بِهذا السِّرِّ الكريم مَسْرُورة، وحالها


(١) ونحو ذلك في القاموس المحيط ص ٣٦٠، وقد علق الشيخ نصر الهوريني على كلام المصنف فقال: (قوله: جبر العظم … إلخ، قال شيخنا: وقد خلط المصنف بين مصدري اللازم والمتعدي، والذي في الصحاح وغيره التفصيل بينهما، فالجبور كالقعود مصدر اللازم، والجبر مصدر المتعدي، وهو الذي يعضده القياس … ).
(٢) هكذا في الأصل، ولعل الصواب: أَوْمِنْ.
(٣) القاموس (جبر) ص ٣٦٠.
(٤) الإرس: بالكسر، الأصل الطيب. القاموس (إرس) ص ٥٣٠.
(٥) ضوءها. المعجم الوسيط ١/ ٣٥.