للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان له مال وثروة فإنه لم يترك له سبدٌ، فلم يُثْبِتْ بهذا أن للفقير مالًا وثروةً، وإنما أَثْبَتَ سُوءَ حالِه الذي به صارَ فقيرًا بعد أن كان ذا مال وثروة.

وكذلك يكون المعين في قوله: أما الفقير … البيت، فحصَل بهذا أن الفقير في البيت هو الذي لم يُترك له سبدٌ بأخذ حلوبته، وكان قبل أخذ حلوبته مسكينًا، لأن من كانت له حلُوبةٌ فليس فقيرًا، وإذا لم يكن فقيرًا فهو إما غنيٌّ وإما مِسكينٌ، ومن له حلوبةٌ واحدةٌ فليس بغني، وإذا لم يكن غنيًا لم يبقَ إلا أن يكون فقيرًا أو مسكينًا، ولا يصحُّ أن يكون فقيرًا على ما تقدَّم ذكره، فلم يبق إلا أن يكون مسكينًا، فثَبَتَ أن المسكين أصلحُ حالًا من الفقير.

قال علي بن حمزة: ولذلك بدأ الله تعالى بالفقير قبل من يستحق الصدقة من المسكين وغيره، وأنت إذا تأملت قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (١) وجدته سبحانه وتعالى قد رتبهم، فجعل الثاني أصلح حالًا من الأول، والثالث أصلح حالًا من الثاني، وكذا الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن.

قال: ومما يدلك على أن المسكين أصلح حالًا من الفقير أن العرب قد تسمت به ولم تتسم بفقير، لتناهي الفقر في سوء الحال، ألا ترى أنهم قالوا: تمسكن الرجل فبنوا منه فعلًا على معنى التشبيه بالمسكين في زيه، ولم يفعلوا ذلك في الفقير إذ كانت حاله لا يتزيا بها أحد.

قال: ولهذا رغب الأعرابي الذي سأله يونس عن اسم الفقر لتناهيه في سوء الحال، فآثر التسمية بالمسكنة، أو أراد أنه ذليل لبعده عن قومه ووطنه، ولا أظنه أراد إلا ذلك (٢).


(١) سورة (التوبة) آية: ٦٠.
(٢) راجع التنبيهات ص ٣١٦ - ٣١٩، وما ذكره المؤلف موجود في اللسان (سكن) ١٣/ ٢١٦ وانظر =